الصنف الأول عندهم أنفع العبادات وأفضلها: أشقها على النفوس وأصعبها، قالوا: لأنه أبعد الأشياء من هواها وهو حقيقة التعبد، والأجر على قدر المشقة، ورووا حديثا ليس له أصل «أفضل الأعمال أحمزها «٢» » »
أى أصعبها وأشقها، وهؤلاء هم أرباب المجاهدات والجور على النفوس، قالوا: وإنما تستقيم النفوس بذلك إذ طبعها الكسل والمهادنة والإخلاد إلى الراحة، فلا تستقيم إلا بركوب الأهوال وتحمل المشاق.
[من قال: إن الزهد أفضل العبادات:]
الصنف الثانى قالوا: أفضل العبادات وأنفعها التجرد والزهد في الدنيا والتقلل منها غاية الإمكان وإطراح الاهتمام بها وعدم الاكتراث لما هو منها.
ثم هؤلاء قسمان: فعوامهم ظنوا أن هذا غاية، فشمروا إليه وعملوا عليه وقالوا: هو أفضل من درجة العلم والعبادة ورأوا الزهد في الدنيا غاية كل عبادة ورأسها. وخواصهم رأوا هذا مقصودا لغيره، وأن المقصود به عكوف القلب على الله والاستغراق في محبته والإنابة إليه والتوكل عليه والاشتغال بمرضاته، فرأوا أفضل العبادات دوام ذكره بالقلب واللسان، ثم هؤلاء قسمان: فالعارفون إذا جاء الأمر والنهى بادروا إليه ولو فرّقهم وأذهب جمعهم، والمنحرفون منهم يقولون:
المقصود من القلب جميعته، فإذا جاء ما يفرقه عن الله لم يلتفتوا إليه، ويقولون:
يطالب بالأوراد من كان غافلا ... فكيف بقلب كل أوقاته ورد؟
ثم هؤلاء أيضا قسمان: منهم من يترك الواجبات والفرائض لجمعيته. ومنهم