أوجبت عليه سبحانه وتعالى رعاية المصالح وجعلت ذلك كله بمحض الأعمال، وأن وصول الثواب إلى العبد بدون عمله فيه تنقيص باحتمال منة الصدقة عليه بلا ثمن، فجعلوا تفضله سبحانه وتعالى على عبده بمنزلة صدقة العبد على العبد وإعطائه ما يعطيه أجره على عمله أحب إلى العبد من أن يعطيه فضلا منه بلا عمل، ولم يجعلوا للأعمال تأثيرا في الجزاء البتة.
والطائفتان منحرفتان عن الصراط المستقيم، وهو أن الأعمال أسباب إلى الثواب، والأعمال الصالحات من توفيق الله وفضله وليست قدرا لجزائه وثوابه، بل غايتها إذا وقعت على أكمل الوجوه أن تكون شكرا على أحد الأجزاء القليلة من نعمه سبحانه وتعالى، فلو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكان رحمته لهم خيرا من أعمالهم.
«١» مع قوله صلى الله عليه وسلّم: «لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله»«٢» .
نجد الآية تدل على أن الجنان بالأعمال، والحديث ينفى دخول الجنة بالأعمال، ولا تنافى بينهما؛ لأن توارد النفى والإثبات ليس على محل واحد، فالمنفى باء الثمنية واستحقاق الجنة بمجرد الأعمال ردا على القدرية المجوسية التى زعمت أن الفضل بالثواب ابتداء متضمن لتكدير المنة. والباء المثبتة التى وردت في القرآن هى باء السببية ردا على القدرية الجبرية الذين يقولون: لا ارتباط بين الأعمال «٣» وجزائها