وضعفهم وقصور علمهم عن إدراك حوائج المضطرين. فأما من لا يشغله سمع عن سمع، وسبقت رحمته غضبه وكتب على نفسه الرحمة، فما تصنع الوسائط عنده.
فمن اتخذ واسطة بينه وبين الله تعالى، فقد ظن به أقبح الظن، ومستحيل أن يشرعه لعباده، بل ذلك يمتنع في العقول والفطر.
واعلم أن الخضوع والتأله الذى يجعله العبد لتلك الوسائط قبيح في نفسه كما قررناه، لا سيما إذا كان المجعول له ذلك عبدا للملك العظيم الرحيم القريب المجيب، ومملوكا له، كما قال تعالى: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ
«١» أى إذا كان أحدكم يأنف أن يكون مملوكه شريكه في رزقه، فكيف تجعلون لى من عبيدى شركاء فيما أنا منفرد به، وهو الإلهية التى لا تنبغى لغيرى ولا تصلح لسواى، فمن زعم ذلك فما قدرنى حق قدرى ولا عظمنى حق تعظيمى.
وبالجملة فما قدر الله حق قدره من عبد معه من ظنّ أنه يوصل إليه، قال تعالى:
يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً
«٢» إلى أن قال: ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
«٣» وقال تعالى: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ
«٤» فما قدّر القوىّ العزيز حق قدره من أشرك معه الضعيف الذليل.
[أصل ضلال أهل البدع والزيغ:]
واعلم أنك إذا تأملت جميع طوائف الضلال والبدع وجدت أصل ضلالهم راجعا إلى شيئين.
أحدهما: الظن بالله ظن السوء.
والثانى: أنهم لم يقدروا الرب حق قدره. فلم يقدره حق قدره من ظن أنه لم يرسل رسولا ولا أنزل كتابا، بل ترك الخلق سدى وخلقهم عبثا «٥» . ولا قدره