الصنف الرابع: هم القائلون «١» بالجمع بين الخلق والأمر والقدر والسبب، فعندهم أن سر العبادة وغايتها مبنى على معرفة حقيقة الإلهية ومعنى كونه سبحانه وتعالى إلها وأن العبادة موجب الإلهية وأثرها ومقتضاها وارتباطها، كارتباط متعلق الصفات بالصفات، وكارتباط المعلوم بالعلم والمقدور بالقدرة، والأصوات بالسمع، والإحسان بالرحمة، والإعطاء بالجود. فعندهم من قام بمعرفتها على نحو الذى فسرناها به لغة وشرعا مصدرا وموردا استقام له معرفة حكمة العبادات وغايتها به وعلم أنها هى الغاية التى خلقت لها العباد ولها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب وخلقت الجنة والنار. وقد صرح سبحانه وتعالى بذلك في قوله: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
«٢» فالعبادة هى التى ما وجدت الخلائق كلها إلا لأجلها كما قال تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً
«٣» أى مهملا. قال الشافعى رحمه الله:
لا يؤمر ولا ينهى «٤» .
وقال غيره: لا يثاب ولا يعاقب. وهما تفسيران صحيحان، فإن الثواب والعقاب مترتب على الأمر والنهى. والأمر والنهى هى طلب العبادة وإرادتها.
وحقيقة العبادة امتثالها؛ ولهذا قال تعالى: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا