وأما الشرك في الإرادات والنيات، فذلك البحر الذى لا ساحل له، وقل من ينجو منه، فمن نوى بعمله غير وجه الله تعالى فلم يقم بحقيقة قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ
، فإن إِيَّاكَ نَعْبُدُ
هى الحنيفية ملة إبراهيم التى أمر الله بها عباده كلهم ولا يقبل من أحد غيرها، وهى حقيقة الإسلام وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ
«١» فاستمسك بهذا الأصل، وردّ ما أخرجه المبتدعة والمشركون إليه تحقّق معنى الكلمة الإلهية.
[بطلان الوسائط والشفعاء في التقرب إلى الله:]
فإن قيل: المشرك إنما قصد تعظيم جناب الله تعالى وأنه لعظمته لا ينبغى الدخول عليه إلا بالوسائط والشفعاء كحال الملوك، فالمشرك لم يقصد الاستهانة بجناب الربوبية، وإنما قصد تعظيمه وقال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ
، وإنما أعبد هذه الوسائط لتقربنى إليه وتدخل بى عليه، فهو الغاية وهذه وسائل، فلم كان هذا القدر موجبا لسخط الله تعالى وغضبه ومخلدا في النار وموجبا لسفك دماء أصحابه «٢» واستباحة حريمهم وأموالهم؟ وهل يجوز في العقل أن يشرع الله تعالى لعباده التقرب إليه بالشفعاء والوسائط فيكون تحريم هذا إنما استفيد بالشرع فقط، أم ذلك قبيح في الشرع والعقل يمنع أن تأتى به شريعة من الشرائع، وما السر في كونه لا يغفر من بين سائر الذنوب كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ*