العسل اعتدالا، وفيه رائحة نور اللّوز، وأكثر ما كان يؤتى به من بلاد الجزيرة.
وكل نبات كثر ببلاد فيها نحل، فإن الغالب على عسلها عسل ذلك الشجر، وإذا اختلف نباتها لم يغلب على عسلها نبت بعينه.
وقد يصير العسل مرا إذا جرست نحله النور المرّ كعسل الأفسنتين «١» ، وليس من نبات بلاد العرب، وفي عسله مرارة.
وعسل السّدر «٢» قليل الحلاوة، قليل المتانة.
ومن كلّ الشّجر تجرس النّحل، إلّا أن تكون شجرة خبيثة الرائحة زهمة، أو ذات سمّ، فإنها لا تقرب من ذلك شيئا. وأجود العسل عند العلماء به: ما طاب ريحه، وعذب طعمه، وصدقت حلاوته، ومتن حتى إذا مددته امتدّ، وخلته لون الذهب، فإذا قطر على الأرض استدار واجتمع إلى نفسه؛ فإذا وعى العسل فى الجرار علا أرقّه، وسفل أمتنه وأجوده.
وأمّا ما اسودّ من العسل فإنّه ردىء، ما لم يكن سواده من تقادم فإن العسل إذا تقادم مال إلى السّواد، ونقصت حلاوته.
وإذا كان العسل متينا صلبا فهو ضرب، وكذلك الشهد، يقال:«استضرب العسل إذا صلب واشتد» .
وقد يبلغ من شدة العسل في بعض البلاد أن يكسر الشّهد كسرا، والعسل المتقادم الشديد كله يستضرب.
ويقال للعسل المتين:«حميت» ، ويقال للعسل الشديد:«جلس» ويقال لما رقّ من العسل: «وديس» .
[فصل: فى ماهية العسل]
ذكر القدماء من الحكماء أن العسل طلّ خفىّ يقع على الزّهر، وعلى غيره فيلقطه النّحل، وذكر أنّ هذا الطّل بخار بتصاعده، فيستحيل في تصاعده،