الألسنة حينئذ بتكرار أخباره وإثارة فضائله، ونشر مآثره، وإذاعة محاسنه، حتى لقد كان موته سببا لاشتهار فضائله أكثر من اشتهارها في حياته، فهو يوم وفاته خير من يوم ولادته؛ لأن يوم ولادته إنما يراد به ملك الغاية، وغاية الإنسان إما عالم فهو ملك باق، وإما جاهل غير متبع فهو شيطان أو بهيمة، فولادة الإنسان إنما هى ليكون له لسان صدق في الآخرين، فإن الفضائل بالفعل حق الثناء عليه أيام حياته وكثر انتشار فضائله بعد موته، وانتشارها بعد موته حياة باقية يتوجّه إليها الصالحون ويرغب فيها العارفون، فيوم كمال الغاية المطلوب والفضل المتوجه إليها الفضل من يوم الولادة، وقد قيل:
المرء ما دام حيا يستهان به ... ويعظم الزور فيه حين يفتقد
فاحرص يا أخى- أعزك الله بتقواه، ونوّر قلبك بنوره حتى لا تشهد سواه- أن تكون كما الورد، فإنه كان أولا بسيطا غير مركب، فلما سرى في التراب، وظهر في عالم العيان بصورة الشجر ذات الغصن والورق والورد عابا بالتقطير «١» إلى مرتبته، وأصله من البساطة وصورة المائية لكن بزيادة الكمال من طيب الرائحة وتفريح القلب وتقويته إلى غير ذلك من الخواص، فكذا فكن إن كنت ممن سبقت له الحسنى فإنك عندما تعينت صورتك البشرية كانت صفاتك جميعها بريئة من السوء، فإذا تهذبت بالرياضة والسلوك إلى الله تعالى تطهرت أخلاقك من الشر والنقائص وازدادت كمّا بما تحلت به من الآداب والمعارف وسائر الفضائل الروحانية، والله يؤيدنا بتوفيقه من غير خذلان ويعيننا على سلوك طريقه المستقيم، فإنه المستعان.
قال مؤلفه: تم ذلك على يد جامعه ومنشئه أحمد بن عبد القادر بن محمد المقريزى الشافعى- غفر الله ذنبه وستر عيبه بجاه سيدنا محمد وآله وصحبه والحمد لله وحده، تم.