الطالبين، وفي آذانهم رقاع فيها أنسابهم، وفيهم أطفال، فأمر المهدى فحفرت لهم حفرة ودفنوا فيها.
فأين هذا الجور والفساد عن عدل الشريعة المحمدية وسيرة أئمة الهدى، وأين هذه القسوة الشنيعة مع القرابة القريبة من رحمة النبوة، وتالله ما هذا من الدين في شىء، بل هو من باب قول الله سبحانه: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ. أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ
«١» .
وكان أبو الجهم بن عطية مولى باهلة من أعظم الدعاة قدرا وأعظمهم غنى، وهو الذى أخرج أبا العباس السفاح من موضعه الذى أخفاه فيه أبو سلمة حفص بن سليمان الخلال «٢» وحرسه، وقام بأمره حتى بويع بالخلافة، فكان أبو العباس يعرف له ذلك، وكان أبو مسلم يثق به ويكاتبه، فلما استخلف أبو جعفر المنصور وجار فى أحكامه، قال أبو الجهم: ما على هذا بايعناه، إنما بايعناهم على العدل، فأسرها أبو جعفر في نفسه ودعاه ذات يوم فجلس عنده ثم سقاه شربة من سويق «٣» لوز وقعت في جوفه هاج به وجع، فتوهم أنه قد سم، فوثب، فقال له المنصور:
إلى أين يا أبا الجهم، قال: إلى حيث أرسلتنى. ومات بعد يوم أو يومين فقال (شعرا) :
أحذر سويق اللوز لا تشربنه ... فشرب سويق اللوز أردى أبا الجهم
وأما غدره بأبى مسلم فغير خاف على رواة الأخبار، وكان أشد ما يحقده عليه كتابه إليه: أما بعد، فإنى اتخذت أخاك إماما وكان في قرابته برسول الله صلى الله عليه وسلّم، ومحله من العلم على ما كان ثم استخف بالقرآن وحرّفه طمعا في قليل من الدنيا، قد نعاه الله لأهله، ومثلت له ضلالته على صورة العدل فأمرنى أن أجرد السيف