فيهما قنطار وقد حفت بهما شمع دونهما صغار وكبار. فجاءت جهة المالكية تروق حسنا وترتمي الأبصار نورا، وكاد لا يبقى في المسجد زاوية ولا ناحية الا وفيها قارىء يصلي بجماعة خلفه، فيرتج المسجد لأصوات القراءة من كل ناحية، فتعاين الأبصار، وتشاهد الأسماع من ذلك مرأى ومستمعا تنخلع له النفوس خشية ورقة.
ومن الغرباء من اقتصر على الطواف والصلاة في الحجر ولم يحضر التراويح، ورأى أن ذلك افضل ما يغتنم، وأشرف عمل يلتزم، وما بكل مكان يوجد الركن الكريم والملتزم.
والشافعي في التراويح أكثر الأئمة اجتهادا، وذلك أنه يكمل التراويح المعتادة التي هي عشر تسليمات ويدخل الطواف مع جماعة، فاذا فرغ من الأسبوع وركع عاد لإقامة تراويح أخر وضرب بالفرقعة الخطيبية المتقدمة الذكر ضربة يسمعها المسجد لعلو صوتها، كأنها ايذان بالعود الى الصلاة، فاذا فرغوا من تسليمتين، عادوا للطواف اسبوغ، فاذا اكملوه ضربت الفرقعة وعادوا الصلاة تسليمتين، ثم عادوا للطواف، هكذا الى أن يفرغوا من عشر تسليمات، فيكمل لهم عشرون ركعة، ثم يصلون الشفع والوتر وينصرفون.
وسائر الأئمة لا يزيدون على العادة شيئا، والمتناوبون لهذه التراويح المقامية خمسة أئمة، أولهم إمام الفريضة، وأوسطم صاحبنا الفقيه الزاهد الورع أبو جعفر بن علي الفنكيّ القرطبيّ، وقراءته ترقّ الجمادات خشوعا. وهذه الفرقعة المذكورة تستعمل في هذا الشهر المبارك، وذلك أنه يضرب بها ثلاث ضربات عند الفراغ من أذان المغرب، ومثلها عند الفراغ من أذان العشاء الآخرة. وهي لا محالة من جميلة البدع المحدثة في هذا المسجد المعظم، قدسه الله.
والمؤذن الزمزمي يتولى التسحير في الصومعة التي في الركن الشرقي من المسجد بسبب قربها من دار الأمير، فيقوم في وقت السحور فيها داعيا ومذكرا ومحرضا على السحور ومعه أخوان صغيران يجاوبانه ويقاولانه، وقد نصبت في أعلى الصومعة خشبة طويلة في رأسها عود كالذراع وفي طرفيه بكرتان صغيرتان يرفع عليهما قنديلان من الزجاج كبيران لا يزالان يقدان مدة التسحير. فإذا قرب