كثيرة الأرفاق برخاء الأسعار، مظلمة الآفاق بالكفر لا يقر فيها لمسلم قرار، مشحونة بعبدة الصلبان، تغص بقاطنيها، وتكاد تضيق ذرعا بساكنيها، مملوءة نتنا ورجسا، موحشة لا توجد لغريب أنسا، أسواقها نافقة حفيلة، وأرزاقها واسعة بإرغاد العيش كفيلة، لا تزال بها ليلك ونهارك في أمان، وإن كنت غريب الوجه واليد واللسان، مستندة الى جبال قد انتظمت حضيضها وخنادقها، والبحر يعترض أمامها في الجهة الجنوبية منها. ومرساها أعجب مراسي البلاد البحرية، لأن المراكب الكبار تدنو فيه من البر حتى تكاد تمسه وتنصب منها الى البر خشبة يتصرف عليها، فالحمال يصعد بحمله اليها ولا يحتاج لزوارق في وسقها ولا في تفريغها الا ما كان مرسيا على البعد منها يسيرا، فتراها مصطفة مع البر كاصطفاف الجياد في مرابطها واصطبلاتها، وذلك لإفراط عمق البحر فيها، وهو زقاق معترض بينها وبين الأرض الكبيرة، بمقدار ثلاثة أميال، ويقابلها منه بلدة تعرف برية، وهي عمالة كبيرة. وهذه المدينة: مسينة، رأس جزيرة صقلية، وهي كثيرة المدن والعمائر والضياع، وتسميتها تطول.
وطول هذه الخزيرة: صقلية، سبعة أيام، وعرضها مسيرة خمسة أيام، وبها جبل البركان المذكور، وهو يأتزر بالسحب لإفراط سموه ويعتم بالثلج شتاء وصيفا دائما، وخصب هذه الجزيرة أكثر من أن يوصف، وكفى بأنها ابنة الأندلس في سعة العمارة، وكثرة الخصب والرفاهة، مشحونة بالأرزاق على اختلافها، مملوءة بانواع الفواكه واصنافها، لكنها معمورة بعبدة الصلبان، يمشون في مناكبها، ويرتعون في أكنافها. والمسلمون معهم على املاكهم وضياعهم، وقد حسنوا السيرة في استعمالهم واصطناعهم، وضربوا عليهم اتاوة في فصلين من العام يؤدونها، وحالوا بينهم وبين سعة في الارض كانوا يجدونها، والله عز وجل يصلح أحوالهم، ويجعل العقبى الجميلة مآلهم، بمنه. وجبالها كلها بساتين مثمرة بالتفاح والشاه بلوط والبندق والإحاص وغيرها من الفواكه.
[المسلمون في صقلية]
وليس في مسينه هذه من المسلمين الا نفر يسير من ذوي المهن، ولذلك يستوحش بها المسلم الغريب، وأحسن مدنها قاعدة ملكها، والمسلمون يعرفونها