سنة تسع وستين وخمس مئة، واستولى بعده على الأمر صلاح الدين، وهو على طريقة من الفضل شهيرة، وشأنه في الملوك كبير، وله الأثر الباقي شرفه من ازالة المكوس بطريق الحجاز، ودفعه عوضا عنها لصاحب الحجاز. وكانت الأيام قد استمرت قديما بهذه الضريبة اللعينة الى أن محا الله رسمها على يدي هذا الملك العادل، أصلحه الله.
ومن مناقب نور الدين، رحمه الله تعالى، أنه كان عين للمغاربة الغرباء، الملتزمين زاوية المالكية بالمسجد الجامع المبارك، أوقافا كثيرة، منها طاحونتان وسبعة بساتين وارض بيضاء وحمام ودكانان بالعطارين. وأخبرني احد المغاربة الذين كانوا ينظرون فيه، وهو أبو الحسن علي بن سردال الجياني المعروف بالأسود: أن هذا الوقف المغربي يغل، اذا كان النظر فيه جيدا، خمس مئة دينار في العام. وكان له، رحمه الله، بجانبهم فضل كبير، نفعه الله بما أسلف من الخير، وهيأ ديارا موقوفة لقراء كتاب الله عز وجل يسكنونها.
[مرافق الغرباء]
ومرافق الغرباء بهذه البلدة أكثر من أن يأخذها الاحصاء، ولا سيما لحفاظ كتاب الله، عزّ وجل، والمنتمين للطلب. فالشأن بهذه البلدة لهم عجيب جدا.
وهذه البلاد المشرقية كلها على هذا الرسم، لكن الاحتفال بهذه البلدة أكثر والاتساع أوجد. فمن شاء الفلاح من نشأة مغربنا فليرحل الى هذه البلاد ويتغرب في طلب العلم فيجد الأمور المعينات كثيرة فأولها فراغ البال من أمر المعيشة، وهو اكبر الأعوان وأهمها، فاذا كانت الهمة فقد وجد السبيل الى الاجتهاد، ولا عذر للمقصر الا من يدين بالعجز والتسويف، فذلك من لا يتوجه هذا الخطاب عليه، وانما المخاطب كل ذي همة يحول طلب المعيشة بينه وبين مقصده في وطنه من الطلب العلمي، فهذا المشرق بابه مفتوح لذلك، فادخل أيها المجتهد بسلام، وتغنم الفراغ والانفراد قبل علق