وفي ليلة الاربعاء التاسع لربيع المذكور كان رحيلنا بعد تهويم ساعة، فأسرينا الى الصباح ونزلنا مريحين بتل عبدة، وهو موضع عمارة، وهذا التل مشرف متّسع كأنه المائدة المنصوبة، وفيه أثر بناء قديم، وبهذا الموضع ماء جار. وكان رحيلنا منه عند المغرب، واسرينا الليل كله، واجتزنا على قرية تعرف بالبيضاء فيها خان كبير جديد، وهو نصف الطريق من حرّان الى الفرات، ويقابلها على اليمين من الطريق، في استقبالك الفرات الى الشام، مدينة سروج التي شهر ذكرها الحريري بنسبة أبي زيد اليها، وفيها البساتين والمياه المطردة حسبما وصفها به في مقاماته.
فكان وصولنا الى الفرات ضحوة النهار، وعبرنا في الزوارق المقلة المعدة للعبور الى قلعة جديدة على الشط تعرف بقلعة نجم، وحولها ديار بادية، وفيها سويقة يوجد فيها المهم من علف وخبز، فأقمنا بها يوم الخميس العاشر لربيع الأول المذكور مريحين خلال ما تكمل القافلة بالعبور. واذا عبرت الفرات حصلت في حد الشام وسرت في طاعة صلاح الدين الى دمشق.
والفرات حد بين ديار الشام وديار ربيعة وبكر. وعن يسار الطريق، في استقبالك الفرات الى الشام، مدينة الرقة، وهي على الفرات، وتليها رحبة مالك بن طوق وتعرف برحبة الشام، وهي من المدن الشهيرة، ثم رحلنا منها عند مضي ثلث الليل الأول وأسرينا ووصلنا مدينة منبج مع الصباح من يوم الجمعة الحادي عشر لربيع المذكور، والثاني والعشرين ليونيه.
[مدينة منبج]
بلدة فسيحة الأرجاء، صحيحة الهواء، يحف بها سور عتيق ممتد الغاية والانتهاء، جوّها صقيل ومجتلاها جميل، ونسيمها أرج النشر عليل، نهارها يندى ظله، وليلها كما قيل فيه: سحر كله؛ تحف بغربيها وبشرقيها بساتين ملتفة