يومنا ليلحق من تأخر من الحجاج ومن تجار الشام والموصل. ثم رحلنا قبيل نصف الليل، وتمادى سيرنا الى أن ارتفع النهار، فنزلنا قائلين ومريحين على دجيل. وأسرينا الليل كله، فنزلنا مع الصباح بمقربة من قرية تعرف بالحربة، من أخصب القرى وأفسحها. ورحلنا من ذلك الموضع وأسرينا الليل كله، ونزلنا مع الصباح من يوم الخميس الثامن عشر لصفر على شط دجلة بمقربة من حصن يعرف بالمعشوق، ويقال: انه كان متفرّجا لزبيدة ابنة عم الرشيد وزوجه، وعلى قبالة هذا الموضع في الشط الشرقي مدينة سرّ من رأى، وهي اليوم عبرة من رأى: أين معتصمها، وواثقها، ومتوكلها؟! مدينة كبيرة قد استولى الخراب عليها الا بعض جهات منها هي اليوم معمورة. وقد أطنب المسعودي، رحمة الله، في وصفها ووصف طيب هوائها ورائق حسنها. وهي كما وصف وإن لم يبق الا الأثر من محاسنها، والله وارث الأرض ومن عليها، لا اله غيره. فأقمنا بهذا الموضع طول يومنا مستريحين، وبيننا وبين مدينة تكريت مرحلة، ثم رحلنا منه وأسرينا الليل كله، فصبحنا تكريت مع الفجر من يوم الجمعة التاسع عشر من الشهر، وهو أول يوم من يونيه، فنزلنا ظاهرها مستريحين ذلك اليوم.
[ذكر مدينة تكريت]
هي مدينة كبيرة واسعة الأرجاء، فسيحة الساحة، حفيلة الأسواق، كثيرة المساجد، غاصة بالخلق، أهلها أحسن أخلاقا وقسطا في الموازين من أهل بغداد، ودجلة منها في جوفيها، ولها قلعة حصينة على الشط هي قصبتها المنيعة، ويطيف بالبلد سور قد أثر الوهن فيه. وهي من المدن العتيقة المذكورة.
ورحلنا مع عشي اليوم المذكور واسرينا طول الليل، وأصبحنا يوم السبت الموفي عشرين منه بشط دجلة، فنزلنا مريحين. ومن ذالك الموضع يستصحب الماء ليوم وليلة، فاستصحبناه. ورحلنا ذلك اليوم ضحوة، فأسرينا الى الليل،