ويناظرها في جانب البطحاء قرية كبيرة تعرف بالباب، هي باب بين.
بزاعة وحلب، وكان يعمرها منذ ثماني سنين قوم من الملاحدة الإسماعيلية لا يحصي عددهم الا الله، فطار شرارهم، وقطع هذه السبيل فسادهم واضرارهم، حتى داخلت أهل هذه البلاد العصبية، وحرّكتهم الأنفة والحمية، فتجمعوا من كل أوب عليهم، ووضعوا السيوف فيهم، فاستأصلوهم عن آخرهم، وعجّلوا بقطع دابرهم، وكوّمت بهذه البطحاء جماجمهم، وكفى الله المسلمين عاديتهم وشرهم، وأحاق بهم مكرهم، والحمد لله رب العالمين.
وسكانها اليوم قوم سنيون، فأقمنا بها يوم السبت ببطحاء هذه البلدة مريحين، ورحلنا منها في الليل وأسرينا الى الصباح، ووصلنا مدينة حلب ضحوة يوم الأحد الثالث عشر لربيع الأول، والرابع والعشرين ليونيه.
[مدينة حلب]
بلدة قدرها خطير، وذكرها في كل زمان يطير، خطّابها من الملوك كثير، ومحلها من التقديس أثير، فكم هاجت من كفاح، وسلّت عليها من بيض الصفاح، لها قلعة شهيرة الامتناع، بائنة الارتفاع، معدومة الشبه والنظير في القلاع، تنزهت حصانة أن ترام أو تستطاع، قاعدة كبيرة، ومائدة من الأرض مستديرة منحوتة الأرجاء، موضوعة على نسبة اعتدال واستواء، فسبحان من أحكم تقديرها وتدبيرها، وأبدع كيف شاء تصويرها وتدويرها، عتيقة في الأزل، حديثة وان لم تزل، قد طاولت الأيام والأعوام، وشيعت الخواص والعوام، هذه منازلها وديارها، فاين سكانها قديما وعمّارها؟ وتلك دار مملكتها وفناؤها فأين امراؤها الحمدانيون وشعراؤها؟ أجل، فني جميعهم، ولم يأن بعد فناؤها! فيا عجبا للبلاد تبقى وتذهب أملاكها، ويهلكون ولا يقضى هلاكها، تخطب بعدهم فلا يتعذر ملاكها، وترام فيتيسر بأهون شيء إدراكها. هذه حلب،