وصلى الأمير سيف الاسلام مع الأمير مكثر في القبة العباسية. فلما انقضت الصلاة خرج على باب الصفا وركب الى مضرب أبنيته. وفي يوم الأربعاء العاشر منه خرج الأمير المذكور بجنوده الى اليمن، والله يعرّف اهلها من المسلمين في مقدمه خيرا بمنه.
[تراويح رمضان]
وهذا الشهر المبارك قد ذكرنا اجتهاد المجاورين للحرم الشريف في قيامه وصلاة تراويحه وكثرة الأئمة فيه، وكل وتر من الليالي العشر الاواخر يختم فيها القرآن. فأوّلها ليلة احدى وعشرين، ختم فيها احد أبناء أهل مكة، وحضر الختمة القاضي وجماعة من الأشياخ. فلما فرغوا منها قام الصبي فيهم خطيبا، ثم استدعاهم ابو الصبي المذكور الى منزله الى طعام وحلوى قد أعدّهما واحتفل فيهما.
ثم بعد ذلك ليلة ثلاث وعشرين، وكان المختتم فيها أحد أبناء المكيين ذوي اليسار، غلاما لم يبلغ سنه الخمس عشرة سنة، فاحتفل أبوه لهذه الليلة احتفالا بديعا. وذلك أنه أعد له ثريا مصنوعة من الشمع مغصنة، قد انتظمت أنواع الفواكه الرطبة واليابسة، وأعدّ لها شمعا كثيرا، ووضع في وسط الحرم مما يلي باب بني شيبة شبيه المحراب المربع من أعواد مشرجبة، قد أقيم على قوائم اربع، وربطت في اعلاه عيدان نزلت منها قناديل وأسرجت في أعلاها مصابيح ومشاعيل وسمر دائر المحراب كله بمسامير حديدة الأطراف غرز فيها الشمع، فاستدار بالمحراب كله. وأوقدت الثريا المغصنة ذات الفواكه، وأمعن الاحتفال في هذا كله. ووضع بمقربة من المحراب منبر مجلل بكسوة مجزعة مختلفة الألوان.
وحضر الإمام الطفل فصلى التراويح وختم، وقد انحشد أهل المسجد الحرام اليه رجالا ونساء، وهو في محرابه لا يكاد يبصر من كثرة شعاع الشمع المحدق به.
ثم برز من محرابه رافلا في أفخر ثيابه بهيبة امامية وسكينة غلامية، مكحل