الجماد طربا واريحيّة كأنها المزامير الداودية. فلا تدري من اي أحوال هذا المجتمع تعجب، والله يؤتي الحكمة من يشاء، لا اله سواه، وسمعت هذا الشيخ الواعظ يسند الحديث الى خمسة من اجداده: جدّ عن جدّ، نسقا مسلسلا من أبيه اليهم على اتصال، كلهم له لقب يدل على منزلته من العلم ومكانته من التذكير والوعظ، فهو معرق في الصنعة الشريفة، تليد المجد فيها.
[سوق المسجد الحرام]
وفي أيام الموسم كلها عاد المسجد الحرام، نزّهه الله وشرّفه، سوقا عظيمة يباع فيه من الدقيق الى العقيق، ومن البرّ الى الدر، الى غير ذلك من السلع.
فكان مبيع الدقيق بدار الندوة الى جهة باب بني شيبة، ومعظم السوق في البلاط الآخذ من الغرب الى الشمال، وفي البلاط الآخذ من الشمال الى الشرق، وفي ذلك من النهي الشرعي ما هو معلوم، والله غالب على أمره، لا اله سواه.
[يوم الرحيل]
وفي عشيّ يوم الأحد الموفي عشرين من الشهر المذكور، وهو أول أبريل، كان مسيرنا الى محلة الأمير العراقي بالزاهر وهو على نحو الميلين من البلد، وقد كمل اكتراؤنا الى الموصل، وهو أمام بغداد بعشرة أيام، عرّفنا الله الخير والخيرة بمنه، فأقمنا بالزاهر ثلاثة أيام نجدد العهد كل يوم بالبيت العتيق، ونعيد وداعه.
فلما كان ضحوة يوم الخميس الثاني والعشرين من ذي الحجة المذكور، أقلعت المحلة على تؤدة ورفق بسبب البطء والتأخر ونزلت على نحو ثمانية اميال من الموضع الذي اقلعت منه بمقربة من بطن مرة، والله كفيل بالسلامة والعصمة بمنه.
فكانت مدة مقامنا بمكة، قدّسها الله، من يوم وصولنا اليها، وهو يوم