انجاز وعدها. شاهدنا من ذلك بالإسكندرية ومصر وسواهما مشافهة وسماعا أمرا غريبا يدل على أن ذلك الأمر العزيز أمر الله الحق ودعوته الصدق. ونمي الينا أن بعض فقهاء هذه البلاد المذكورة وزعمائها قد حبّر خطبا أعدها للقيام بها بين يدي سيدنا أمير المؤمنين، أعلى الله أمره، وهو يرتقب ذلك اليوم ارتقاب يوم السعادة وينتظره انتظار الفرج بالصبر الذي هو عبادة، والله عز وجل يبسطها من كلمة، ويعليها من دعوة، انه على ما يشاء قدير.
[من جدة إلى حرم الشريف]
وفي عشيّ يوم الثلاثاء الحادي عشر من الشهر المذكور، وهو الثاني من شهر أغشت، كان انفصالنا من جدة بعد أن ضمن الحجاج بعضهم بعضا، وثبتت أسماؤهم في زمام عند قائد جدة عليّ بن موفق، حسبما نفذ اليه ذلك من سلطانه صاحب مكة مكثر بن عيسى المذكور وهذا الرجل مكثر من ذرية الحسن بن عليّ، رضوان الله عليهما، لكنه ممن يعمل غير صالح، فليس من أهل سلفه الكريم، رضي الله عنهم.
وأسرينا تلك الليلة الى ان وصلنا القرين مع طلوع الشمس. وهذا الموضع هو منزل الحاج ومحط رحالهم، ومنه يحرمون وبه يريحون اليوم الذي يصبحونه.
فاذا كان في عشية رفعوا وأسروا ليلتهم وصبحوا الحرم الشريف، زاده الله تشريفا وتعظيما. والصادرون من الحج ينزلون به ايضا ويسرون منه الى جدة وبهذا الموضع المذكور بئر معينة عذبة، والحاج بسببها لا يحتاجون الى تزود الماء غير ليلة اسرائهم اليه. فأقمنا بياض يوم الأربعاء المذكور مريحين بالقرين. فلما حان العشي رحنا منه محرمين بعمرة، فأسرينا ليلتنا تلك، فكان وصولنا مع الفجر الى قريب الحرم. فنزلنا مرتقبين لانتشار الضوء.
ودخلنا مكة، حرسها الله، في الساعة الأولى من يوم الخميس الثالث عشر