كثيرا من النساء أدخلن أبناءهن الصغار والرضع معهن، فيتحرى غسله تكريما وتنزيها وازالة لما يحيك في النفوس من هواجس الظنون فيمن ليست له ملكة عقلية تمنعه من أن تصدر عنه حادثة نجس في ذلك الموطن الكريم والمحل المخصوص بالتقديس والتعظيم، فعند انسياب الماء عنه كان كثير من الرجال والنساء يبادرون اليه تبركا بغسل أوجههم وأيديهم فيه، وربما جمعوا منه في اوان قد اعدوها لذلك ولم يراعوا العلة التي غسل لها. وكان منهم من توقف عن ذلك، وربما لحظ الحال لحظة من لا يستجيزها ولا يصوب العقل في ذلك. وما ظنك بماء زمزم المبارك قد صب داخل بيت الله الحرام وماج في جنبات أركانه الكرام ثم انصب بإزاء الملتزم والركن الأسود المستلم، أليس جديرا بأن تتلقاه الافواه فضلا عن الأيدي، وتغمس فيه الوجوه فضلا عن الأقدام؟ وحاشا لله أن تعرض في ذلك علة تمنع منه وشبهة من شبهات الظنون تدفع عنه، والنيات عند الله تعالى مقبولة، والمثابرة على تعظيم حرماته برضاه موصولة، وهو المجازي على الضمائر وخفيات السرائر، لا اله سواه.
[شهر شعبان المكرم]
استهل هلاله ليلة السبت التاسع عشر لشهر نونبر. وفي صبيحته بكر الأمير مكثر الى الطواف على العادة في ذلك رأس كل شهر مع أخيه وبنيه ومن جرى الرسم باستصحابه من القواد والأشياع والأتباع، وعلى الأسلوب المتقدم الذكر، والزمزمي يصرخ في مرقبته على عادته متناوبا مع أخيه صغيره.
وفي سحر يوم الخميس الثالث عشر منه، وهو أول يوم من دجنبر، بعد طلوع الفجر، كسف القمر، وبدأ الكسوف والناس في صلاة الصبح في الحرم الشريف، وغاب مكسوفا، وانتهى الكسوف الى ثلثه، والله يعرفنا حقيقة الاعتبار بآياته.
[زيادة ماء زمزم]
وفي يوم الجمعة الثاني من ذلك اليوم أصبح بالحرم امر عجيب وذلك أنه لم