ويسكن في احدى الزوايا الجوفية من جامعها المكرم الشيخ أبو اليقظان الأسود الجسد الأبيض الكبد، أحد الأولياء الذين نوّر الله بصائرهم بالإيمان، وجعلهم من الباقيات الصالحات في الزمان، الشهير المقامات، الموصوف بالكرامات، نضو التبتل والزهادة، ومن أخلقت جدته العبادة، قد اكتفى بنسج يده، ولا يدخر من قوت يومه لغده؛ أسعدنا الله بلقائه، وأصحبنا من بركة دعائه عشي يوم الثلاثاء مستهل ربيع الأول، فحمدنا الله عز وجل على أن منّ علينا برؤيته، وشرّفنا بمصافحته، والله ينفعنا بدعائه، انه سميع مجيب، لا اله سواه.
فكان نزولنا بها في خان خارجها، وبتنا بها ليلة الأربعاء الثاني من ربيع الأول. ورحلنا صبيحته في قافلة كبيرة من البغال والحمير: حرانيين وحلبيين وسواهم من أهل البلاد، بلاد بكر وما يليها، وتركنا حاج هذه الجهات وراء ظهورنا على الجمال، فتمادى سيرنا الى أول الظهر، ونحن على اهبة وحذر من إغارة الأكراد الذين هم آفة هذه الجهات من الموصل الى نصيبين الى مدينة دنيصر يقطعون السبيل ويسعون فسادا في الأرض، وسكناهم في جبال منيعة على قرب من هذه البلاد المذكورة، ولم يعن الله سلاطينها على قمعهم وكف عاديتهم، فهم ربما وصلوا في بعض الأحيان الى باب نصيبين، ولا دافع لهم ولا مانع الا الله، عز وجل. فقلنا يوم الأربعاء المذكور، ورأينا ذلك اليوم، عن يمين طريقنا، بقرب من صفح الجبل، مدينة دارى العتيقة، وهي بيضاء كبيرة، لها قلعة مشرفة. ويليها بمقدار نصف مرحلة مدينة ماردين، وهي في صفح جبل في قنته لها قلعة كبيرة هي من قلاع الدنيا الشهيرة، وكلتا المدينتين معمورة.
[مدينة دنيصر]
هي في بسيط من الأرض فسيح، وحولها بساتين الرياحين والخضر، تسقى