والتغافر بينهم، والنساء كذلك. والكل منهم قد لبس أفخر ثيابه واحتفل احتفال أهل البلاد للأعياد. وأما أهل البلد الأمين فهذا الموسم عيدهم، له يعبأون وله يحتفلون، وفي المباهاة فيه يتنافسون وله يعظمون، وفيه تنفق أسواقهم وصنائعهم، يقدمون النظر في ذلك والأستعداد له بأشهر.
[السرو المائرون]
ومن لطيف صنع الله، عزّ وجلّ، لهم فيه اعتناء كريم منه سبحانه بحرمه الأمين، أن قبائل من اليمن تعرف بالسّرو، وهم أهل جبال حصينة باليمن تعرف بالسراة، كأنها مضافة لسراة الرجال، على ما أخبرني به فقيه من أهل اليمن يعرف بابن أبي الصيف، فاشتق الناس لهم هذا الاسم المذكور من اسم بلادهم، وهم قبائل شتى كبجيلة وسواها، يستعدون للوصول الى هذه البلدة المباركة قبل حلولها بعشرة أيام، فيجتمعون بين النية في العمرة وميرة البلد بضروب من الأطعمة كالحنطة وسائر الحبوب الى اللوبياء الى ما دونها، ويجلبون السمن والعسل والزبيب واللوز. فتجمع ميرتهم بين الطعام والإدام والفاكهة.
ويصلون في آلاف من العدد رجالا وجمالا موقرة بجميع ما ذكر. فيرغدون معايس اهل البلد والمجاورين فيه يتقوتون ويدّخرون، وترخص الأسعار، وتعم المرافق. فيعد منها الناس ما يكفيهم لعامهم الى ميرة اخرى. ولولا هذه الميرة لكان أهل مكة في شظف من العيش.
ومن العجب في أمر هؤلاء المائرين أنهم لا يبيعون من جميع ما ذكرناه بدينار ولا بدرهم، إنما يبيونه بالخرق والعباءات والشمل، فأهل مكة يعدّون لهم من ذلك مع الأقنعة والملاحف المتان وما أشبه ذلك مما يلبسه الأعراب ويبايعونهم به ويشارونهم. ويذكر أنهم متى اقاموا عن هذه الميرة ببلادهم تجدب ويقع الموتان في مواشيهم وانعامهم، وبوصولهم بها تخصب بلادهم وتقع