وبين مصر والقاهرة المسجد الكبير المنسوب الى ابي العباس أحمد بن طولون، وهو من الجوامع العتيقة الانيقة الصنعة الواسعة البنيان، جعله السلطان مأوى للغرباء من المغاربة يسكنونه ويحلّقون فيه، وأجرى عليهم الارزاق في كل شهر. ومن أعجب ما حدثنا به أحد المتخصّصين منهم أن السلطان جعل أحكامهم اليهم ولم يجعل يدا لأحد عليهم. فقدموا من أنفسهم حاكما يمتثلون أمره ويتحاكمون في طوارىء أمورهم عنده، واستصحبوا الدعة والعافية، وتفرغوا لعبادة ربهم، ووجدوا من فضل السلطان أفضل معين على الخير الذي هم بسبيله.
[مآثر السلطان ومفاخره]
وما منها جامع من الجوامع ولا مسجد من المساجد ولا روضة من الروضات المبنية على القبور ولا محرس من المحارس ولا مدرسة من المدارس الا وفضل السلطان يعم جميع من يأوي اليها ويلزم السكنى فيها، تهوّن عليه في ذلك نفقات بيوت الاموال.
ومن مآثره الكريمة المعربة عن اعتنائه بأمور المسلمين كافة أنه أمر بعمارة محاضر ألزمها معلمين لكتاب الله، عز وجل، يعلمون أبناء الفقراء والايتام خاصة وتجرى عليهم الجراية الكافية لهم.
ومن مفاخر هذا السلطان وآثاره الباقية المنفعة للمسلمين القناطر التي شرع في بنائها بغربي مصر، وعلى مقدار سبعة أميال منها، بعد رصيف ابتدئ به من حيز النيل بازاء مصر كأنه جبل ممدود على الارض، تسير فيه مقدار ستة أميال حتى يتصل بالقنطرة المذكورة، وهي نحو الاربعين قوسا من أكبر ما يكون من قسيّ القناطر. والقنطرة متصلة بالصحراء التي يفضى منها الى الإسكندرية، له في ذلك تدبير عجيب من تدابير الملوك الحزمة اعدادا لحادثة تطرأ من عدو