بدمشق يوم السبت بعدنا الاقرب ليوم انفصالنا وأعلمنا أنه يجم عسكره قليلا ويعود الى الحصن المذكور، فالله يعينه ويفتح عليه بعزته وقدرته. وخرجنا نحن الى بلاد الفرنج وسبيهم يدخل بلاد المسلمين، وناهيك من هذا الاعتدال في السياسة! فكان مبيتنا ليلة الجمعة بدارية، وهي قرية من دمشق على مقدار فرسخ ونصف، ثم رحلنا منها صبيحة يوم الجمعة بعده الى قرية تعرف ببيت جن، هي بين جبال، ثم رحلنا منها صبيحة يوم السبت الى مدينة بانياس، واعترضنا في نصف الطريق شجرة بلوط عظيمة الجرم متسعة التدويح، أعلمنا أنها تعرف بشجرة الميزان، فسألنا عن ذلك، فقيل لنا: هي حد بين الامن والخوف في هذه الطريق لحرامية الافرنج، وهم الحواسة والقطاع، من أخذوه وراءها الى جهة بلاد المسلمين ولو بباع أو شبر أسر، ومن اخذ دونها الى جهة بلاد الافرنج بقدر ذلك أطلق سبيله، لهم في ذلك عهد يوفون به، وهو من أظرف الارتباطات الافرنجية وأغربها.
[ذكر مدينة بانياس]
هذه المدينة ثغر بلاد المسلمين، وهي صغيرة، ولها قلعة يستدير بها تحت السور نهر ويقضي الى أحد أبواب المدينة، وله مصب تحت أرحاء. وكانت بيد الافرنج فاسترجعها نور الدين، رحمه الله. ولها محرث واسع في بطحاء متصلة يشرف عليها حصن للافرنج يسمى هونين، بينه وبين بانياس مقدار ثلاثة فراسخ.
وعمالة تلك البطحاء بين الافرنج والمسلمين، لهم في ذلك حد يعرف بحد المقاسمة، فهم يتشاطرون الغلة على استواء، ومواشيهم مختلطة، ولا حيف يجري بينهما فيها. فرحلنا عنها عشي يوم السبت المذكور الى قرية تعرف بالمسية بمقربة من حصن الافرنج المذكور فكان مبيتنا بها، ثم رحلنا منها يوم الاحد سحرا، واجتزنا في طريقنا بين هونين وتبنين بواد ملتف الشجر، وأكثر شجره الرند،