كانا مقبلين بتجار من اليمن، وأحرقوا أطعمة كثيرة على ذلك الساحل كانت معدة لميرة مكة والمدينة أعزهما الله، وأحدثوا حوادث شنيعة لم يسمع مثلها في الإسلام، ولا انتهى رومي الى ذلك الموضع قطّ.
ومن أعظمها حادثة تسد المسامع شناعة وبشاعة، وذلك انهم كانوا عازمين على دخول مدينة الرسول، صلى الله عليه وسلم، واخراجه من الضريح المقدس.
أشاعوا ذلك وأجروا ذكره على ألسنتهم. فآخذهم الله باجترائهم عليه وتعاطيهم ما تحول عناية القدر بينهم وبينه. ولم يكن بينهم وبين المدينة أكثر من مسيرة يوم. فدفع الله عاديتهم بمراكب عمرت من مصر والإسكندرية دخل فيها الحاجب المعروف بلؤلؤ مع أنجاد المغاربة البحريين. فلحقوا العدو وهو قد قارب النجاة بنفسه فأخذوا عن آخرهم. وكانت آية من آيات العنايات الجبارية، وأدركوهم عن مدة طويلة كانت بينهم من الزمان نيف على شهر ونصف أو حوله. وقتلوا واسروا، وفرق من الأسارى على البلاد ليقتلوا بها، ووجه منهم الى مكة والمدينة. وكفى الله بجميل صنعه الإسلام والمسلمين أمرا عظيما، والحمد لله رب العالمين.
[رجع الذكر]
ومن المواضع التي اجتزنا عليها في الصعيد بعد جبل المقلة الذي ذكرنا أنه نصف الطريق من مصر الى قوص، حسبما تقدم ذكره، موضع يعرف بمنفلوط بمقربة من الشط الغربي ميامنا للصاعد في النيل، فيه الأسواق وسائر ما يحتاج اليه من المرافق، وهي بلدة في نهاية من الطيب ليس في الصعيد مثلها، وقمحها يجلب الى مصر لطيبه ورزانة حبته، قد اشتهر عندهم بذلك. فالتجار يصعدون في المراكب لاستجلابه.
ومنها مدينة أسيوط، وهي من مدن الصعيد الشهيرة، بينها وبين الشط الغربي من النيل مقدار ثلاثة أميال. وهي جميلة المنظر، حولها بساتين النخل،