ومنها موضع يعرف بأبي تيج، وهو بلد فيه الأسواق وسائر مرافق المدن، وهو في الشط الغربي من النيل.
ومنها مدينة اخميم، وهي أيضا من مدن الصعيد الشهيرة المذكورة بشرقي النيل وبشطه، قديمة الاختطاط عتيقة الوضع، فيها مسجد ذي النون المصري، ومسجد داود أحد الصالحين المشتهرين بالخير والزهادة، وهما مسجدان موسومان بالبركة، دخلنا اليهما متبركين بالصلاة فيهما، وذلك يوم السبت التاسع عشر لمحرم المذكور.
وبهذه المدينة المذكورة آثار ومصانع من بنيان القبط وكنائس معمورة الى الآن بالمعاهدين من نصارى القبط. ومن أعظم الهياكل المتحدّث بغرائبها في الدنيا هيكل عظيم في شرقي المدينة المذكورة وتحت سورها، طوله مئتا ذراع وعشرون ذراعا، وسعته مئة وستون ذراعا، يعرف عند أهل هذه الجهة بالبربا «١» وكذلك يعرف كل هيكل عندهم وكل مصنع قديم. قد قام هذا الهيكل العظيم على أربعين سارية، حاشا حيطانه، دور كل سارية منها خمسون شبرا، وبين كل سارية وسارية ثلاثون شبرا، ورؤوسها في نهاية من العظم والإتقان قد نحتت نحتا غريبا فجاءت مركنة بديعة الشكل كأن الخراطين تناولوها، وهي كلها مرقشة بأنواع الأصبغة اللازوردية وسواها. والسواري كلها منقوشة من أسفلها الى أعلاها. وقد انتصب على رأس كل سارية منها الى رأس صاحبتها التي تليها لوح عظيم من الحجر المنحوت، من أعظمها ما كلنا فيه ستة وخمسين شبرا طولا وعشرة أشبار عرضا وثمانية أشبار ارتفاعا وسقف هذا الهيكل كله من ألواح الحجارة المنتظمة ببديع الإلصاق، فجاءت كأنها فرش واحد. وقد انتظمت جميعه التصاوير البديعة والأصبغة الغريبة، حتى يخيل للناظر فيها أنها سقف من الخشب المنقوش.