أسواقهم خلاخيل الحديد، فتنفطر لهم الأفئدة ولا يغني الإشفاق عنهم شيئا.
ومن جميل صنع الله تعالى لأسرى المغاربة، بهذه البلاد الشامية الإفرنجية، أن كل من يخرج من ماله وصية من المسلمين بهذه الجهات الشامية وسواها إنما يعيّنها في افتكاك المغاربة خاصة لبعدهم عن بلادهم وانهم لا مخلص لهم سوى ذلك بعد الله عز وجل، فهم الغرباء المنقطعون عن بلادهم. فملوك أهل هذه الجهات من المسلمين والخواتين من النساء وأهل اليسار والثراء إنما ينفقون أموالهم في هذه السبيل. وقد كان نور الدين، رحمه الله، نذر في مرضة اصابته تفريق اثني عشر الف دينار في فداء أسرى من المغاربة، فلما استبل من مرضه أرسل في فدائهم، فسيق فيهم نفر ليسوا من المغاربة، وكانوا من حماة من جملة عمالته، فأمر بصرفهم واخرج عوض عنهم من المغاربة، وقال: هؤلاء يفتكّهم أهلوهم وجيرانهم، والمغاربة غرباء لا أهل لهم. فانظر الى لطيف صنع الله تعالى لهذا الصنف المغربي.
وقيض الله لهم بدمشق رجلين من مياسر التجار وكبرائهم وأغنيائهم المنغمسين في الثراء: أحدهما يعرف بنصر بن قوام، والثاني بابي الدّر ياقوت مولى العطافي، وتجارتهما كلها بهذا الساحل الإفرنجي، ولا ذكر فيه لسواهما، ولهما الأمناء من المقارضين، فالقوافل صادرة وواردة ببضائعهما، وشأنهما في الغنى كبير، وقدرهما عند أمراء المسلمين والإفرنجيين خطير، وقد نصبهما الله عز وجل لافتكاك الأسرى المغربيين بأموالهما واموال ذوي الوصايا، لأنهما المقصودان بها لما قد اشتهر من امانتهما وثقتهما وبذلهما أموالهما في هذه السبيل فلا يكاد مغربي يخلص من الأسر الا على ايديهما فهما طول الدهر بهذه السبيل ينفقان أموالهما ويبذلان اجتهادهما في تخليص عباد الله المسلمين من أيدي أعداء الله الكافرين، والله تعالى لا يضيع أجر المحسنين.
[سوء الاتفاق]
ومن سوء الاتفاقات، المستعاذ بالله من شرها، أنه صحبنا في طريقنا الى عكة