من دمشق رجل مغربي من بونة عمل بجاية، كان أسيرا فتخلص على يدي أبي الدّر المذكور وبقي في جملة صبيانه، فوصل في قافلته الى عكة، وكان قد صحب النصارى وتخلق بكثير من أخلاقهم، فما زال الشيطان يستهويه ويغريه الى ان نبذ دين الإسلام فكفر وتنصّر مدة مقامنا بصور. فانصرفنا الى عكة، وأعلمنا بخبره، وهو بها قد بطس ورجس، وقد عقد الزنار، واستعجل النار، وحقت عليه كلمة العذاب، وتأهب لسوء الحساب، وسحيق المآب، نسأل الله عز وجل أن يثبتنا بالقول الثابت في الدنيا والآخرة، ولا يعدل بنا عن الملة الحنفية، وان يتوفانا مسلمين، بفضله ورحمته.
وهذا الخنزير صاحب عكة، المسمى عندهم بالملك، محجوب لا يظهر، وقد ابتلاه الله بالجذام، فعجل له سوء الانتقام، وقد شغلته بلواه في صباه، عن نعيم دنياه، فهو فيها يشقى، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى. وحاجبه وصاحب الحال عوضه خاله القومس، وهو صاحب المجبى، واليه ترتفع الأموال، والمشرف على الجميع بالمكانة والوجاهة، وكبر الشأن في الإفرنجية اللعينة، القومس اللعين، صاحب طرابلس وطبرية، وهو ذو قدر ومنزلة عند الإفرنج، وهو المؤهل للملك والمرشح له، وهو موصوف بالدهاء والمكر. وكان أسيرا عند نور الدين نحو اثنتي عشرة سنة أو أزيد، ثم تخلص بمال عظيم بذل في نفسه مدة صلاح الدين وعند اول ولايته، وهو معترف لصلاح الدين بالعبودية والعتق.
وعلى بادية طبرية اختلاف القوافل من دمشق لسهولة طريقها، ويقصد بقوافل البغال على تبنين لوعورتها وقصد طريقها، وبحيرة طبرية مشهورة، وهي ماء عذب، وسعتها نحو ثلاثة فراسخ أو أربعة، وطولها نحو ستة فراسخ.
والأقوال فيها تختلف، وهذا القول أقربها الى الصحة، لأنا لم نعاينها، وعرضها أيضا مختلف سعة وضيقا. وفيها قبور كثيرة من قبور الأنبياء، صلوات الله عليهم، كشعيب وسليمان ويهوذا وروبيل وابنة شعيب زوج الكليم موسى وغيرهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وجبل الطور منها قريب.