كبير وجده الناس مملوءا فجددوا الاستسقاء ورفهوا الإبل. ثم أسرينا منها، وأجزنا سحر يوم الأربعاء المذكور بموضع فيه آثار بناء يعرف بالقرعاء، وفيه أيضا مصنع ماء، وله ستة مخازن، وهي صهاريج صغار، تؤدي الماء الى المصانع، استقى الناس فيها وسقوا. وكثرت المصانع حتى لا تكاد الكتب تحصرها ولا تضبطها، والحمد لله على منته وسابغ نعمته.
وبتنا ليلة الخميس بعده على مصنع عظيم مملوء ماء، ثم نزلنا ضحوة اليوم المذكور بمنارة تعرف بمنارة القرون، وهي منارة في بيداء من الأرض، لا بناء حولها قد قامت في الأرض كأنها عمود مخروط من الآجر، قد تداخل فيها من الخواتيم الآجرية مثمنة ومربعة أشكال بديعة. ومن غريب أمرها أنها مجللة كلها قرون غزلان مثبتة فيها، فتلوح كظهر الشيهم. وللناس فيها خبر يمنع ضعف سنده من اثباته. وعلى مقربة من هذه المنارة قصر ذو بروج مشيدة، وبإزائه مصنع عظيم وجد مملوءا ماء، والحمد لله على ما منّ به.
واجتزنا عشيّ يوم الخميس المذكور على العذيب، وهو واد خصيب، وعليه بناء، وحوله فلاة خصيبة، فيها مسرح للعيون وفرجة. وأعلمنا أن بمقربة منه بارقا. ووصلنا منه الى الرحبة، وهي بمقربة منه، وفيها بناء وعمارة، ويجري الماء فيها من عين نابعة في أعلى القرية المذكورة. وبتنا أمامها بمقدار فرسخ، ثم أسرينا ليلة الجمعة الثامن والعشرين لمحرم المذكور نصف الليل واجتزنا على القادسية، وهي قرية كبيرة، فيها حدائق من النخيل، ومشارع من ماء الفرات وأصبحنا بالنجف، وهو بظهر الكوفة كأنه حد بينها وبين الصحراء، وهو صلب من الأرض منفسح متسع، للعين فيه مراد استحسان وانشراح. ووصلنا الكوفة مع طلوع الشمس من يوم الجمعة المذكور، والحمد لله على ما أنعم به من السلامة.
[ذكر مدينة الكوفة]
هي مدينة كبيرة عتيقة البناء، قد استولى الخراب على أكثرها، فالغامر