يحصيهم الا الله تعالى الذي أحصى كل شيء عددا. وبها من الجوامع ثلاثة، كل يجتمع فيها: جامع الخليفة متصل بداره، وهو جامع كبير، وفيه سقايات عظيمة ومرافق كثيرة كاملة، مرافق الوضوء والطهور؛ وجامع السلطان، وهو خارج البلد، ويتصل به قصور تنسب للسلطان أيضا المعروف بشاه شاه، وكان مدبّر أمر أجداد هذا الخليفة، وكان يسكن هنالك، فابتنى الجامع أمام مسكنه؛ وجامع الرصافة، وهو على الجانب الشرقي المذكور، وبينه وبين جامع هذا السلطان المذكور مسافة نحو الميل، والرصافة تربة الخلفاء العباسيين، رحمهم الله. فجميع جوامع البلد بغداد المجمّع فيها أحد عشر.
[الحمامات والمساجد والمدارس]
وأما حماماتها فلا تحصى عدة، ذكر لنا أحد أشياخ البلد أنها بين الشرقية والغربية نحو الألفي حمام، وأكثرها مطلية بالقار مسطحة به، فيخيل للناظر أنه رخام اسود صقيل. وحمامات هذه الجهات أكثرها على هذه الصفة لكثرة القار عندهم، لأن شأنه عجيب، يجلب من عين بين البصرة والكوفة، وقد أنبط الله ماء هذه العين ليتولد منه القار، فهو يصير في جوانبها كالصلصال، فيجرف ويجلب وقد انعقد، فسبحان خالق ما يشاء، لا اله سواه.
واما المساجد بالشرقية والغربية فلا يأخذها التقدير فضلا عن الاحصاء.
والمدارس بها نحو الثلاثين، وهي كلها بالشرقية، وما منها مدرسة الا وهي يقصر القصر البديع عنها وأعظمها وأشهرها النظامية وهي التي ابتناها نظام الملك، وجددت سنة أربع وخمس مئة. ولهذه المدارس أوقاف عظيمة وعقارات محبسة تتصير الى الفقهاء المدرسين بها، ويجرون بها على الطلبة ما يقوم بهم، ولهذه البلاد في أمر هذه المدارس والمارستانات شرف عظيم وفخر مخلد، فرحم الله وواضعها الأول ورحم من تبع ذلك السنن الصالح.