الخميس الثالث عشر لربيع الآخر من سنة تسع وسبعين، الى اقلاعنا من الزاهر، وهو يوم الخميس الثاني والعشرين لذي الحجة من السنة المذكورة، ثمانية أشهر وثلث شهر، التي هي بحسب الزائد والناقص من الأشهر مئتا يوم اثنتان وخمسة وأربعون يوما سعيدات مباركات، جعلها الله لذاته، وجعل القبول لها موافقا لمرضاته، بمنّه، غبنا عن رؤية البيت الكريم فيها ثلاثة أيام: يوم عرفة، وثاني يوم النحر، ويوم الأربعاء الذي هو الحادي والعشرون لذي الحجة، قبل يوم الخميس يوم اقلاعنا من الزاهر، والله لا يجعله آخر العهد بحرمه الكريم بمنه.
ثم أقلعنا من ذلك الموضع اثر صلاة الظهر من يوم الخميس، الى بطن مر، وهو واد خصيب كثير النخل ذو عين فوارة سيالة الماء تسقى منها أرض تلك الناحية.
وعلى هذا الوادي قطر متسع وقرى كثيرة وعيون، ومنه تجلب الفواكه الى مكة، حرسها الله، فأقمنا به يوم الجمعة لسبب عجيب، وذلك أن الملكة خاتون بنت الأمير مسعود ملك الدروب والأرمن وما يلي بلاد الروم، وهي احدى الخواتين الثلاث اللاتي وصلن للحج، مع أمير الحاج أبي المكارم طاشتكين مولى أمير المؤمنين، الموجه كل عام من قبل الخليفة، وله بتولي هذه الخطة نحو الثمانية أعوام أو أزيد، وخاتون هذه اعظم الخواتين قدرا، بسبب سعة مملكة أبيها. والمقصود من ذكر أمرها أنها أسرت من بطن مرّ ليلة الجمعة الى مكة في خاصة من خدمها وحشمها، فتفقد موضعها يوم الجمعة المذكور، فوجه الأمير ثقات من خاصة أصحابه يستطلعونها في الانصراف، وأقام بالناس منتظرا لها.
فوصلت عتمة يوم السبت، وأجليت في سبب انصراف هذه الملكة المترفة قداح الظنون، وسلت الخواطر على استخراج سرها المكنون، فمنهم من يقول: انها انصرفت أنفة لبعض ما انتقدته على الأمير، ومنهم من قال: ان نوازع الشوق للمجاورة عطفت بها الى المثابة المكرمة، ولا يعلم الغيب الا الله. وكيفما كان الأمر فقد كفى الله العطلة بسببها، وأطلق سبيل الحاج، ولله الحمد على ذلك.
وابو هذه المرأة المذكورة الأمير مسعود، كما ذكرناه، وهو في بسطة من