وهذه المارستانات مفخر عظيم من مفاخر الإسلام، والمدارس كذلك. ومن أحسن مدارس الدنيا منظرا مدرسة نور الدين، رحمه الله، وبها قبره، نوّره الله. وهي قصر من القصور الأنيقة، ينصب فيها الماء في شاذروان وسط نهر عظيم ثم يمتد الماء في ساقية مستطيلة الى ان يقع في صهريج كبير وسط الدار.
فتحار الأبصار في حسن ذلك المنظر، فكل من يبصره يجدد الدعاء لنور الدين، رحمه الله. وأما الرباطات التي يسمونها الخوانق فكثيرة، وهي برسم الصوفية.
وهي قصور مزخرفة، يطرد في جميعها الماء على احسن منظر يبصر.
وهذه الطائفة الصوفية هم الملوك بهذه البلاد، لأنهم قد كفاهم الله مؤن الدنيا وفضولها، وفرّغ خواطرهم لعبادته من الفكرة في اسباب المعايش، وأسكنهم في قصور تذكرهم قصور الجنان. فالسعداء الموفقون منهم قد حصل لهم بفضل الله تعالى نعيم الدنيا والآخرة. وهم على طريقة شريفة، وسنّة في المعاشرة عجيبة، وسيرتهم في التزام رتب الخدمة غريبة، وعوائدهم من الاجتماع للسماع المشوّق جميلة، وربما فارق منهم الدنيا في تلك الحالات المنفعل المثابر رقة وتشوّقا. وبالجملة فأحوالهم كلها بديعة، وهم يرجون عيشا طيبا هنيئا.
ومن أعظم ما شاهدناه لهم موضع يعرف بالقصر، وهو صرح عظيم مستقل في الهواء، في اعلاه مساكن لم ير اجمل اشرافا منها، وهو من البلد بنصف الميل، له بستان عظيم يتصل به، وكان متنزها لاحد ملوك الاتراك. فيقال:
انه كان فيه احدى الليالي على راحة، فاجتاز به قوم من الصوفية، فهريق عليهم من النبيذ الذي كانوا يشربونه في ذلك القصر. فرفعوا الأمر لنور الدين، فلم يزل حتى استوهبه من صاحبه ووقفه برسم الصوفية مؤبدا لهم. فطال العجب من السماحة بمثله، وبقي أثر الفضل فيه مخلدا لنور الدين، رحمه الله.
ومناقب هذا الرجل الصالح كبيرة، وكان من الملوك الزهاد. وتوفي في شوال