عباده بلطفه وكرمه. وتمادى استسقاؤه بالناس ثلاثة أيام متوالية، على الصفة المذكورة، وقد نال الجهد من أهل الحجاز وأضرّ بهم القحط وأهلك مواشيهم الجدب، لم يمطروا في الربيع ولا الخريف ولا الشتاء إلا مطرا طلا غير كاف ولا شاف، والله عز وجل لطيف بعباده، غير مؤاخذهم بجرائمهم، إنه الحنان المنان، لا رب سواه.
وفي يوم الخميس الرابع والعشرين من شوال صعدنا إلى جبل ثور لمعاينة الغار المبارك الذي أوى إليه النبي، صلى الله عليه وسلم، مع صاحبه الصديق، رضي الله عنه، حسبما جاء في محكم التنزيل العزيز، وقد تقدم ذكر هذا الغار وصفته أولا في هذا التقييد. وولجناه من الموضع الذي يعسر الولوج منه على البعض من الناس تبركا بمس بشرة البدن بموضع مسه الجسم المبارك، قدسه الله؛ لأن مدخل النبي، صلى الله عليه وسلم، كان منه. وكان لأحد الصاعدين إليه ذلك اليوم من المصريين موقف خجلة وفضيحة، وذلك أنه رام الولوج فيه على ذلك الموضع الضيق فلم يقدر بحيلة وعاود ذلك مرارا فلم يستطع حتى استوقف الناس ما عاينوه من ذلك وبكوا له إشفاقا ولجأوا إلى الله عز وجل في الدعاء، فلم يغن ذلك شيئا، وكان فيهم من هو اضخم منه فيسر الله عليه. وطال تعجب الناس منه واعتبارهم.
وأعلمنا بعد انفصالنا في ذلك اليوم بأن هذا الموقف المخجل وقع لثلاثة أناس في ذلك اليوم بعينه، عصمنا الله من مواقف الفضيحة في الدنيا والآخرة.
وهذا الجبل صعب المرتقى جدا، يقطع الأنفاس تقطيعا، لا يكاد يبلغ منتهاه إلا وقد ألقى بالأيدي إعياء وكلالا. وهو من مكة على مقدار ثلاثة أميال، وعلى ذلك القدر هو جبل حراء منها، والله تعالى لا يخلينا من بركة هذه المشاهد بمنه وكرمه.
وطول الغار ثمانية عشر شبرا، وسعته أحد عشر شبرا في الوسط منه، وفي حافتيه ثلثا شبر، وعلى الوسط منه يكون الدخول، وسعة الباب الثاني المتسع