في بنائها جمال الدين، المذكور أثره الكريم في هذا المكتوب، نحو الألف دينار، نفعه الله بما أسلفه من العمل الصالح. وعن يمين الداخل الدار المباركة باب يدخل منه الى قبة كبيرة بديعة البناء، فيها مقعد النبي، صلى الله عليه وسلم، والصخرة التي كان اليها مستنده، وعن يمينه موضع أبي بكر الصديق، وعن يمين أبي بكر موضع علي بن أبي طالب، والصخرة التي كان اليها مستنده هي داخلة في الجدار كشبه المحراب. وفي هذه الدار كان اسلام عمر بن الخطاب ومنها ظهر الاسلام على يديه، وأعزه الله به، نفعنا الله ببركة هذه المشاهد المكرمة والآثار المعظمة، وأماتنا على محبة الذين شرفت بهم ونسبت اليهم، صلوات الله عليهم أجمعين.
شهر ذي الحجة
استهل هلاله ليلة الخميس بموافقة الخامس عشر من مارس. وكان للناس في ارتقابه أمر عجيب، وشأن من البهتان غريب، ونطق من الزور كاد يعارضه من الجماد فضلا عن غيره رد وتكذيب؛ وذلك انهم ارتقبوه ليلة الخميس الموفي ثلاثين، والأفق قد تكاثف نوءه وتراكم غيمه الى ان علته مع المغيب بهض حمرة من الشفق، فطمع الناس في فرجه من الغيم لعل الأبصار تلتقطه فيها، فبينما هم كذلك اذ كبر أحدهم، فكبر الجم الغفير لتكبيره ومشوا قياما ينتظرون ما لا يبصرون ويشيرون الى ما يتخيلون حرصا منهم على أن تكون الوقفة بعرفات يوم الجمعة، كأن الحج لا يرتبط الا بهذا اليوم بعينه، فاختلقوا شهادات زورية، ومشت منهم طائفة من المغاربة، أصلح الله أحوالهم، ومن أهل مصر وأربابها، فشهدوا عند القاضي برؤيته، فردهم أقبح رد وجرح شهاداتهم أسوأ تجريح وفضحهم في تزييف أقوالهم أخزى فضيحة، وقال:«يا للعجب! لو أن أحدهم يشهد برؤيته الشمس تحت ذلك الغيم الكثيف النسج لما قبلته، فكيف برؤية هلال هو ابن تسع وعشرين ليلة!»