مصاب الرحمة والبركات، ومحل الموقف الاعظم بعرفات، جعلنا الله ممن فاز فيه بالحسنات، وتعرى به من ملابس الاوزار والسيئات، بمنه وكرمه، انه أهل التقوى، وأهل المغفرة، والامير العراقي منتظر لكشف هذا الإلباس عن الناس في أمر الهلال لعله قد اتضح له اليقين فيه، ان شاء الله.
وفي سائر هذه الايام كلها الى هلم جرّا تصل رفاق من السرو اليمنيين وسائر حجاج الآفاق لا يحصي عددها الا محصي آجالها وأرزاقها، لا إله سواه. فمن الآيات البينات أن يسع هذا الجمع العظيم هذا البلد الامين الذي هو بطن واد سعته غلوة أو دونها. ولو أن المدن العظيمة حمل عليها هذا الجمع لضاقت عنه. وما هذه البلدة المكرمة فيما تختص به من الآيات البينات في اتساعها لهذا البشر المعجز احصاؤه الا كما شبهتها العلماء حقيقة بأنها تتسع لوفودها اتساع الرحم لمولودها.
وكذلك عرفات وسائر المشاهد المعظمة بهذا البلد الحرام، عظم الله حرمته ورزقنا الرحمة فيه بكرمه وفضله.
ومن أول هذا الشهر المبارك ضربت دبادب الأمير بكرة وعشية وفي أوقات الصلوات كأنها إشعار بالموسم، ولا يزال كذلك الى يوم الصعود الى عرفات، عرّفنا الله بها القبول والرحمة.
وفي يوم الاثنين الخامس أو الرابع من هذا الشهر وصل الأمير عثمان بن علي صاحب عدن، خرج منها فارّا أمام سيف الاسلام المتوجه الى اليمن وركب البحر في جلاب كثيرة مشحونة بأحوال عظيمة واموال لا تحصى كثرة لأنه طال مقامه في تلك الولاية واتسع كسبه. وعند خروجه من البحر بموضع يعرف بالصر ... لحقت جلبه حراريق الأمير سيف الاسلام فأخذت جميع ما فيها من الأثقال، وكان قد استصحب الخف النفيس الخطير مع نفسه الى البر وهو في جملة من رجاله وعبيده، فسلم به، ووصل مكة بعير موقرة متاعا ومالا دخلت الى أعين الناس الى داره التي ابتناها بها بعد أن قدم نفيس ذخائره وناضّ ماله وجملة رقيقه وخدمه ليلا.