ورث النباهة والوجاهة في العلم كابرا عن كابر لعقد مجلس وعظ تلك الليلة، وكانت ليلة الجمعة السابع من المحرم. فتأخر وصوله الى هدء من الليل والحرم قد غصّ بالمنتظرين، والخاتون جالسة موضعها. وكان سبب تأخره تأخر أمير الحاج لأنه كان على عدة من وصوله، الى أن وصل ووصل الأمير، وقد أعد لرئيس العلماء المذكور وهو يعرف بهذا الاسم، توارثه عن أب فأب، كرسيّ بازاء الروضة المقدسة، فصعده، وحضر قراؤه أمامه، فابتدروا القراءة بنغمات عجيبة وتلاحين مطربة مشجية، وهو يلحظ الروضة المقدسة فيعلن بالبكاء.
ثم أخذ في خطبة من انشائه سحرية البيان، ثم سلك في أساليب من الوعظ باللسانين، وأنشد أبياتا يديعة من قوله، منها هذا البيت، وكان يردده في كل فصل من ذكره، صلى الله عليه وسلم، ويشير الى الروضة:
هاتيك روضته تفوح نسيما ... صلوا عليه وسلموا تسليما
واعتذر من التقصير لهول ذلك المقام، وقال: عجبا للألكن الأعجم كيف ينطق عند أفصح العرب! وتمادى في وعظه الى أن أطار النفوس خشية ورقة، وتهافتت عليه الاعاجم معلنين التوبة، وقد طاشت البابهم، وذهلت عقولهم، فيلقون نواصيهم بين يديه، فيستدعي جلمين ويجزّها ناصية ناصية، ويكسو عمامته المجزوز الناصية، فيوضع عليه للحين عمامة أخرى من أحد قرائه أو جلسائه ممن قد عرف منزعه الكريم في ذلك، فبادر بعمامته لاستجلاب الغرض النفيس لمكارمه الشهيرة عندهم، فلا زال يخلع واحدة بعد أخرى، الى ان خلع منها عدّة وجزّ نواصي كثيرة، ثم ختم مجلسه بأن قال: معشر الحاضرين، قد تكلمت لكم ليلة بحرم الله عز وجل، وهذه الليلة بحرم رسوله، صلى الله عليه وسلم، ولا بد للواعظ من كدية، وأنا أسألكم حاجة ان ضمنتموها لي أرقت لكم ماء وجهي في ذكرها. فأعلن الناس كلهم بالإسعاف، وشهيقهم قد؟، فقال: حاجتي أن تكشفوا رؤوسكم، وتبسطوا أيديكم، ضارعين لهذا النبي الكريم في أن يرضى عني، ويسترضي الله عز وجل لي. ثم أخذ في تعداد