لأسواقها، كاسدة لا عهد لها بنفاقها. وما ظنك ببلد حصن الأكراد منه على أميال يسيرة، وهو معقل العدو، فهو منه تتراءى ناره، ويحرق اذا يطير شراره، ويتعهد اذا شاء كل يوم مغاره.
وسألنا أحد الأشياخ بهذه البلدة: هل فيها مارستان على رسم مدن هذه الجهات؟ فقال، وقد أنكر ذلك: حمص كلها مارستان! وكفاك تبيينا شهادة أهلها فيها! وبها مدرسة واحدة، وتجد في هذه البلدة عند اطلالك عليها من بعد في بسيطها ومنظرها وهيئة موضوعها، بعض شبه بمدينة إشبيلية من بلاد الأندلس، يقع للحين في نفسك خياله، وبهذا الاسم سميت في القديم، وهي العلة التي أوجبت نزول الأعراب أهل حمص فيها، حسبما يذكر. وهذا التشبيه وان لم يكن بذاته، فله لمحة من احدى جهاته.
وأقمنا بها يوم الأحد المذكور ويوم الاثنين بعده، وهو الثاني ليوليه، الى أول الظهر، ورحلنا منها وتمادينا الى العشي، ونزلنا بقرية خربة تعرف بالمشعر فعشينا بها الدواب، ثم رحلنا عند المغرب وأسرينا طول ليلتنا، وتمادى سيرنا الى الضحى الاعلى من يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من الشهر المذكور، ونزلنا بقرية كبيرة للنصارى المعاهدين تعرف بالقارة، ليس فيها من المسلمين أحد، وبها خان كبير كأنه الحصن المشيد في وسطه صهريج كبير مملوء ماء يتسرب له تحت الأرض من عين على البعد، فهو لا يزال ملآن، فأرحنا بالخان المذكور الى الظهر ثم رحلنا منه الى قرية تعرف بالنبك، بها ماء جار ومحرث متسع، فنزلنا بها للتعشية، ثم رحلنا منها بعد اختلاس تهويمة خفيفة.
وأسرينا الليل كله، فوصلنا الى خان السلطان مع الصباح، وهو خان بناه صلاح الدين صاحب الشام. وهو في نهاية الوثاقة والحسن، بباب حديد على سبيلهم في بناء خانات هذه الطرق كلها واحتفالهم في تشييدها، وفي هذا الخان ماء جار يتسرب الى سقاية في وسط الخان كأنها صهريج، ولها منافس ينصب منها الماء في سقاية صغيرة مستديرة حول الصهريج ثم يغوص في سرب في