سجاياه، فقال، وقد صفح عن جريرة أحد الجناة عليه: أما أنا فلأن أخطىء في العفو أحب الي من أن اصيب في العقوبة. وهذا في الحلم منزع أحنفي.
وقال أيضا، وقد تنوشدت بحضرته الأشعار وجرى ذكر من سلف من أكارم الملوك وأجوادهم: والله لو وهبت الدنيا للقاصد الآمل لما كنت أستكثرها له، ولو استفرغت له جميع ما في خزانتي لما كان عوضا مما أراقه من حر ماء وجهه في استمناحه اياي. وهذا في الكرم مذهب رشيدي او جعفري.
وحضره أحد مماليكه المتميزين لديه بالحظوة والأثرة مستعديا على جمال ذكر أنه باعه جملا معيبا أو صرف عليه جملا بعيب لم يكن فيه، فقال السلطان له:
ما عسى أن أصنع لك، وللمسلمين قاض يحكم بينهم، والحق الشرعي مبسوط للخاصة والعامة، وأوامره ونواهيه ممتثلة، وانما أنا عبد الشرع وشحنته، والشحنة عندهم صاحب الشرطة، فالحق يقضي لك أو عليك. وهذا في العقد مقصد عمري. وهذه كلمات كفى بها لهذا السلطان فخرا، والله يمتع ببقائه الإسلام والمسلمين بمنه.
شهر جمادى الآخرة
استهل هلاله ليلة الأحد التاسع من شهر شتنبر العجمي ونحن بدمشق، حرسها الله، على قدم الرحلة الى عكة، فتحها الله والتماس ركوب البحر مع تجار النصارى وفي مراكبهم المعدة لسفر الخريف المعروف عندهم بالصليبية، عرفنا الله في ذلك معهود خيرته، وتكفلنا بكلاءته وعصمته، بعزته وقدرته، انه سبحانه الحنان المنان، ولي الطول والاحسان، لا رب غيره، وكان انفصالنا منها عشي يوم الخميس الخامس من الشهر المذكور، وهو الثالث عشر من شهر شتنبر المذكور، في قافلة كبيرة من التجار المسافرين بالسلع الى عكة.