وهذا الجانب الذي يقابل الحجر الأسود من القبة المذكورة تتصل به مصطبة من الرخام دائرة بالقبة يجلس الناس فيها معتبرين بشرف ذلك الموضع لأنه أشرف مواضع الدنيا المذكورة بشرف مواضع الآخرة، لأن الحجر الأسود أمامك والباب الكريم مع البيت قبالتك والمقام عن يمينك وباب الصفا عن يسارك وبئر زمزم وراء ظهرك. وناهيك بهذا! وينطبق على كل شرجب من تلك الشراجيب أعمدة حديد قد تركّب بعضها على بعض كأنها شراجيب أخر. وأحد أركان شباك الخشب المحدق بالقبة العباسية يتصل بأحد أركان شباك القبة اليهودية حتى يتماسا. فمن يكون في أعلى سطح هذه ينفتل إلى سطح الأخرى من الركنين المذكورين. وداخل هذه القباب صنعة من القرنصة الجصّية رائقة الحسن.
وللحرم أربعة أئمة سنية وإمام خامس لفرقة تسمى الزيدية. واشراف أهل هذه البلدة على مذهبهم، وهم يزيدون في الأذان:«حيّ على خير العمل» إثر قول المؤذن: «حي على الفلاح» ، وهم روافض سبابون، والله من وراء حسابهم وجزائهم، ولا يجمعون مع الناس إنما يصلون ظهرا أربعا، ويصلون المغرب بعد فراغ الأئمة من صلاتها.
فأوّل الأئمة السنية الشافعي، رحمه الله، وإنما قدّمنا ذكره لأنه المقدّم من الإمام العبّاسي. وهو أول من يصلي، وصلاته خلف مقام إبراهيم، صلى الله عليه وسلم وعلى نبينا الكريم، إلا صلاة المغرب فإن الأربعة الأئمة يصلونها في وقت واحد مجتمعين لضيق وقتها: يبدأ مؤذن الشافعيّ بالإقامة، ثم يقيم مؤذّنو سائر الأئمة. وربما دخل في هذه الصلاة على المصلين سهو وغفلة لاجتماع التكبير فيها من كل جهة. فربما ركع المالكيّ بركوع الشافعي أو الحنفيّ أو سلّم أحدهم بغير سلام إمامه. فترى كل أذن مصيخة لصوت إمامها أو صوت مؤذنه مخافة السهو. ومع هذا فيحدث السهو على كثير من الناس. ثم المالكيّ، رحمه الله، وهو يصلي قبالة الركن اليماني، وله محراب حجر يشبه محاريب الطرق