على صفة لم يرضها. فاجتمع بالأمير، وقال: أريد أن أتأنق في بناء تنور زمزم وطيه وتجديد قبته، وأبلغ في ذلك الغاية الممكنة، وأنفق من صميم مالي، ولك علي في ذلك شرط ابلغ بالتزامه لك الغرض المقصود، وهو أن تجعل ثقة من قبلك يقيد مبلغ النفقة في ذلك، فاذا استوفى البناء التمام، وانتهت النفقة منتهاها، وتحصلت محصاة، بذلت لك مثلها جزاء على اباحتك لي ذلك.
فاهتزّ الأمير طمعا، وعلم أن النفقة في ذلك تنتهي الى آلاف من الدنانير، على الصفة التي وصفها له، فأباح له ذلك، وألزمه مقيدا يحصي قليل الإنفاق وكثيره.
وشرع الرجل في بنائه واحتفل واستفرغ الوسع وتأنق وبذل المجهود، فعل من يقصد بفعله ذات الله عزّ وجلّ ويقرضه قرضا حسنا. والمقيد يسوّد طواميره بالتقييد، والأمير يتطلع الى ما لديه، ويؤمل لقبض تلك النفقات الواسعة بسط يديه، الى ان فرغ البناء على الصفة التي تقدم ذكرها أولا عند ذكر بئر زمزم وقبته، فلما لم يبق الا ان يصبح صاحب النفقة بالحساب ويستقضي منه العدد المجتمع فيها، خلا منه المكان، واصبح في خبر كان، وركب الليل جملا، وأصبح الأمير يقلب كفيه، ويضرب اصدريه، ولم يمكنه أن يحدث في بناء وضع في حرم الله تعالى حادثا يحيله، أو نقضا يزيله، وفاز الرجل بثوابه، وتكفل الله به في انقلابه وتحسين مآبه:«وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ»
وبقي خبر هذا الرجل مع الأمير يتهادى غرابة وعجبا، ويدعو له كل شارب من ذلك الماء المبارك.
شهر رجب الفرد
استهل هلاله ليلة الخميس الموفي عشرين لشهر أكتوبر بشهادة خلق كثير من الحجاج المجاورين والأشراف أهل مكة، ذكروا أنهم رأوه بطريق العمرة ومن جبل قعيقعان وجبل أبي قبيس، فثبتت شهادتهم بذلك عند الأمير والقاضي، واما من المسجد الحرام فلم يبصره أحد.