أثناء ذلك، وربما رفع أحدهم رأسه من سجوده الى صاحبه وصاح به ووصاه بما شاء ثم عاد الى سجوده، الى غير ذلك من أحوالهم الغريبة.
ولا ملبس لهم سوى أزر وسخة أو جلود يستترون بها. وهم مع ذلك أهل بأس ونجدة، لهم القسيّ العربية الكبار كأنها قسيّ القطانين لا تفارقهم في أسفارهم، فمتى رحلوا الى الزيارة هاب أعراب الطريق الممسكون للحاج مقدمهم وتجنبوا اعتراضهم وخلوا لهم عن الطريق. ويصحبهم الحجاج الزائرون فيحمدون صحبتهم. وعلى ما وصفنا من أحوالهم فهم أهل اعتقاد للإيمان صحيح، وذكر أن النبي، صلى الله عليه وسلم، ذكرهم واثنى عليهم خيرا، وقال:
«علموهم الصلاة يعلموكم الدعاء» . وكفى بأن دخلوا في عموم قوله، صلى الله عليه وسلم:«الإيمان يمان» الى غير ذلك من الأحاديث الواردة في اليمن واهله.
وذكر أن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، كان يحترم وقت طوافهم ويتحرى الدخول في جملتهم تبركا بأدعيتهم. فشأنهم عجيب كله.
وشاهدنا منهم صبيا في الحجر قد جلس الى احد الحجاج يعلمه فاتحة الكتاب وسورة الإخلاص. فكان يقول له:«قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»
فيقول الصبيّ:«هو الله أحد» فيعيد عليه المعلم، فيقول له:«ألم تأمرني بأن أقول: هو الله أحد؟
قد قلت» . فكابد في تلقينه مشقة، وبعد لأي ما علقت بلسانه. وكان يقول له:«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ»
، فيقول الصبي:«بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله» . فيعيد عليه المعلم، ويقول له:«لا تقل:
والحمد لله انما اقل: الحمد لله» فيقول الصبي: «اذا قلت: بسم الله الرحمن الرحيم، اقول: والحمد لله، للاتصال، واذا لم أقل بسم الله، وبدأت قلت: الحمد لله» فعجبنا من أمره ومن معرفته طبعا بصلة الكلام وفصله دون تعلم.
وأما فصاحتهم فبديعة جدا، ودعاؤهم كثير التخشيع للنفوس، والله يصلح أحوالهم وأحوال جميع عباده بمنه.