للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الطِّوَالِ. وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْقِصَارُ فَلَا يَجُوزُ رِوَايَتُهَا بِالْمَعْنَى وَلَا وَجْهَ لِهَذَا. قَالَ الْأَبْيَارِيُّ١ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ لِلْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ صُوَرٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يبدل اللفظ بمرادفه كالجلوس بالقعود "فهذا"*وهذا جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ.

وَثَانِيهَا: أَنْ يَظُنَّ دِلَالَتَهُ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْطَعَ بِذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي امْتِنَاعِ التَّبْدِيلِ.

ثَالِثُهَا: أَنْ يَقْطَعَ بِفَهْمِ الْمَعْنَى وَيُعَبِّرَ عَمَّا فَهِمَ بِعِبَارَةٍ يَقْطَعُ بِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي فَهِمَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ الْأَلْفَاظُ مُتَرَادِفَةً فَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ الْقَطْعُ بِفَهْمِ الْمَعْنَى مُسْتَنِدًا إِلَى اللَّفْظِ إِمَّا بِمُجَرَّدِهِ أَوْ إِلَيْهِ مَعَ الْقَرَائِنِ الْتَحَقَ بِالْمُتَرَادِفِ.

الْمَذْهَبُ الثَّانِي: الْمَنْعُ مِنَ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى مُطْلَقًا بَلْ يَجِبُ نَقْلُ اللَّفْظِ بِصُورَتِهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْعَارِفِ وَغَيْرِهِ. هَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ وَأَهْلِ التَّحَرِّي فِي الْحَدِيثِ. وَقَالَ إِنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَنَقَلَهُ الْجُوَيْنِيُّ وَالْقُشَيْرِيُّ عَنْ مُعْظَمِ الْمُحَدِّثِينَ وَبَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الظَّاهِرِيَّةِ نَقَلَهُ عَنْهُمُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَنَقَلَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمُ ابْنُ سِيرِينَ٢ وَبِهِ قَالَ الأستاذ أبو إسحق الإسفراييني. وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْمَذْهَبِ مِنَ الحرج البالغ والمخالفة لِمَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ مِنَ الرُّوَاةِ كَمَا تَرَاهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَرْوِيهَا جَمَاعَةٌ "مِنَ الصَّحَابَةِ"** فَإِنَّ غَالِبَهَا بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ مَعَ الِاتِّحَادِ فِي الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ بَلْ قَدْ تَرَى الْوَاحِدَ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ يأتي في بعض الحالات بلفظ في "رواية"*** وَفِي أُخْرَى بِغَيْرِ ذَاكَ اللَّفْظِ مِمَّا يُؤَدِّي معناه وهذا أمر لا شك فيه


* في "أ": وهذا.
** ما بين قوسين ساقط من "أ".
*** في "ب": الرواية.

<<  <  ج: ص:  >  >>