للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّور} ١ وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا الْعَجَائِبُ الَّتِي أَظْهَرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَوْلُهُ: {أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} ٢ أَيْ: مِنْ فِعْلِهِ، وَقَوْلُهُ: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَر} ٣ وقوله: {تَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِه} ٤ وقوله: {مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِه} ٥، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

لِأَمْرٍ مَا يَسُودُ مَنْ يَسُودُ٦

وَقَوْلُ الْعَرَبِ فِي أَمْثَالِهَا الْمَضْرُوبَةِ: لِأَمْرٍ مَا جُدِعَ قَصِيرُ أَنْفِهِ٧، وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي:

أَنَّهُ قَدْ خُولِفَ بَيْنَ جَمْعِ الْأَمْرِ بِمَعْنَى الْقَوْلِ "وَبَيْنَ جَمْعِهِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ"* فَقِيلَ فِي الْأَوَّلِ: أَوَامِرُ وَفِي الثَّانِي أُمُورٌ، وَالِاشْتِقَاقُ عَلَامَةُ الْحَقِيقَةِ.

وَأُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ: بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي الْفِعْلِ، مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ فَعَلَ أَمَّا قَوْلُهُ: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا} فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُرَادَ مِنْهُ الْقَوْلُ أَوِ الشَّأْنُ، وَإِنَّمَا يُطْلَقُ اسْمُ الْأَمْرِ عَلَى الْفِعْلِ لِعُمُومِ كَوْنِهِ شَأْنًا لَا لِخُصُوصِ كَوْنِهِ فِعْلًا، وَكَذَا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ.

وَأَمَّا قوله سبحانه: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيد} ٨ فلمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُوَ الْقَوْلُ، بَلِ الْأَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قوله: {فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْن} أَيْ أَطَاعُوهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ.

سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْقَوْلَ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ شَأْنَهُ وَطَرِيقَتَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَة} فلمَ لَا يَجُوزُ إِجْرَاؤُهُ عَلَى الظَّاهِرِ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ: أَنَّ مِنْ شَأْنِهِ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ إِذَا أراد


* ما بين قوسين ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>