للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيئًا وقع كلمح البصر.

وأما قوله: {تَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِه} وقوله: {مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِه} فَلَا يَجُوزُ حَمْلُ الْأَمْرِ فِيهِمَا عَلَى الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْجَرْيَ وَالتَّسْخِيرَ إِنَّمَا حَصَلَ بِقُدْرَتِهِ لَا بِفِعْلِهِ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الشَّأْنِ وَالطَّرِيقِ، وَهَكَذَا قَوْلُ الشَّاعِرِ الْمَذْكُورُ وَالْمَثَلُ الْمَشْهُورُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: أَنَّ الْأَصْلَ الْحَقِيقَةُ فَمُعَارَضٌ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ.

وَأُجِيبَ عَنِ الْوَجْهِ الثَّانِي بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأُمُورُ جَمْعَ الْأَمْرِ بِمَعْنَى الشَّأْنِ، لَا بِمَعْنَى الْفِعْلِ، سَلَّمْنَا لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْجَمْعَ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَقِيقَةِ.

وَاسْتَدَلَّ أَبُو الْحُسَيْنِ بِقَوْلِهِ: بِأَنَّ مَنْ قَالَ هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَدْرِ السَّامِعُ أَيَّ هَذِهِ الْأُمُورِ أَرَادَ، فَإِذَا قَالَ هَذَا أَمْرٌ بِالْفِعْلِ، أَوْ أَمْرُ فُلَانٍ مُسْتَقِيمٌ، أَوْ تَحَرَّكَ هَذَا الْجِسْمُ لِأَمْرٍ، وَجَاءَ زَيْدٌ لِأَمْرٍ، عَقَلَ السَّامِعُ مِنَ الْأَوَّلِ الْقَوْلَ، وَمِنَ الثَّانِي الشَّأْنَ، وَمِنَ الثَّالِثِ أَنَّ الْجِسْمَ تَحَرَّكَ "بِشَيْءٍ"*. وَمِنَ الرَّابِعِ أَنَّ زَيْدًا جَاءَ لِغَرَضٍ مِنَ الْأَغْرَاضِ، وَتَوَقُّفُ الذِّهْنِ عِنْدَ السَّمَاعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْكُلِّ.

وَأُجِيبَ: بِأَنَّ هَذَا التَّرَدُّدَ مَمْنُوعٌ، بَلْ لَا يُفْهَمُ مَا عَدَا الْقَوْلَ إِلَّا بِقَرِينَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ، كَمَا إِذَا اسْتُعْمِلَ في موضع لا يليق بالقول


* في "أ": لشيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>