وَإِذَا وَرَدَ بَعْدَ الْمُجْمَلِ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَالِحٌ لِبَيَانِهِ، فَإِنِ اتَّفَقَا وَعُلِمَ سَبْقُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ الْبَيَانُ، قَوْلًا كَانَ أَوْ فِعْلًا، وَالتَّالِي تَأْكِيدٌ لَهُ.
وَقِيلَ: إِنَّ الْمُتَأَخِّرَ إِنْ كَانَ الْفِعْلُ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى التَّأْكِيدِ؛ لِأَنَّ الْأَضْعَفَ لَا يُؤَكِّدُ الْأَقْوَى، وَإِنْ جُهِلَ الْمُتَقَدِّمُ مِنْهُمَا فَلَا يُقْضَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بأنه المبين بعينه بل يقضي البيان بِحُصُولِ الْبَيَانِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ نَطَّلِعْ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَوَّلُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
وَقِيلَ: يَكُونَانِ بِمَجْمُوعِهِمَا بَيَانًا، قِيلَ: هَذَا إِذَا تَسَاوَيَا فِي الْقُوَّةِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فَالْأَشْبَهُ أَنَّ الْمَرْجُوحَ هُوَ الْمُتَقَدِّمُ وُرُودًا، وَإِلَّا لَزِمَ التَّأْكِيدُ بِالْأَضْعَفِ، هَذَا إِذَا اتَّفَقَ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ.
أَمَّا إِذَا اخْتَلَفَا، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْمُبَيِّنَ هُوَ الْقَوْلُ، وَرَجَّحَ هَذَا فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ، وَابْنُ الْحَاجِبِ، سَوَاءٌ كَانَ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا، وَيُحْمَلُ الْفِعْلُ عَلَى النَّدْبِ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْقَوْلِ عَلَى الْبَيَانِ بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْفِعْلِ، فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ إِلَّا بِوَاسِطَةِ انْضِمَامِ الْقَوْلِ إِلَيْهِ، وَالدَّالُّ بِنَفْسِهِ أَوْلَى.
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ: الْمُتَقَدِّمُ مِنْهُمَا هُوَ الْبَيَانُ، كما في صورة إتفاقهما.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute