وَأَمَّا الْعُمُومُ الَّذِي يَعْقِلُ مُرَادَهُ مِنْ ظَاهِرِهِ، كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} ١، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ تَأْخِيرَ بَيَانِهِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ، وَكَذَا حَكَى اتِّفَاقَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ بَيَانِ الْمُجْمَلِ ابْنُ فُورَكَ، وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفِرَايِينِيُّ، وَلَمْ يَأْتُوا بِمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّأْخِيرِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ إِلَّا مَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ.
الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ:
أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ بَيَانِ الْعُمُومِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْبَيَانِ مَفْهُومٌ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ بَيَانِ الْمُجْمَلِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْبَيَانِ غَيْرُ مَفْهُومٍ، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَجْهًا لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ بَرْهَانَ فِي "الْوَجِيزِ" عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَلَا وَجْهَ لَهُ.
الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ:
أَنَّهُ لا يَجُوزُ تَأْخِيرُ بَيَانِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ بَيَانِ الْأَخْبَارِ، كَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ الْكَرْخِيِّ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَلَا وَجْهَ لَهُ أَيْضًا.
الْمَذْهَبُ السَّادِسُ:
عَكْسُهُ، حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ مَذْهَبًا، وَلَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى أَحَدٍ، وَلَا وَجْهَ لَهُ أَيْضًا وَنَازَعَ بَعْضُهُمْ فِي حِكَايَةِ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ مَذْهَبًا، قَالَ: لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ الْخِطَابُ التَّكْلِيفِيُّ، فَلَا تُذْكَرُ فِيهَا الْأَخْبَارُ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ.
الْمَذْهَبُ السَّابِعُ:
أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ بَيَانِ النَّسْخِ دُونَ غَيْرِهِ، ذَكَرَ هَذَا الْمَذْهَبَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي "الْمُعْتَمَدِ"، وَأَبُو عَلِيٍّ، وَأَبُو هَاشِمٍ، وَعَبْدُ الْجَبَّارِ، وَلَا وَجْهَ لَهُ أَيْضًا لِعَدَمِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّأْخِيرِ فِيمَا عَدَا النَّسْخَ، وَقَدْ عَرَفْتَ قِيَامَ الْأَدِلَّةِ الْمُتَكَثِّرَةِ عَلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا، فَالِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ دُونَ بَعْضٍ بِلَا مُخَصِّصٍ بَاطِلٌ.
الْمَذْهَبُ الثَّامِنُ:
التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا لَيْسَ لَهُ ظَاهِرٌ كَالْمُشْتَرَكِ، دُونَ مَا لَهُ ظَاهِرٌ كَالْعَامِّ، وَالْمُطْلَقِ، وَالْمَنْسُوخِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ فِي الْأَوَّلِ، وَيَجُوزُ فِي الثَّانِي، نَقَلَهُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ. عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ، وَالدَّقَّاقِ، وَالْقَفَّالِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَقَدْ سَبَقَ النَّقْلُ عَنْ هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُمْ يَذْهَبُونَ إِلَى خِلَافِ مَا حَكَاهُ عَنْهُمْ، وَلَا وَجْهَ لِهَذَا التَّفْصِيلِ.
الْمَذْهَبُ التَّاسِعُ:
أَنَّ بَيَانَ الْمُجْمَلِ إِنْ لَمْ يَكُنْ تَبْدِيلًا وَلَا تَغْيِيرًا، جَازَ مُقَارَنًا وَطَارِئًا، وَإِنْ كَانَ تَغْيِيرًا جَازَ مُقَارَنًا، وَلَا يَجُوزُ طَارِئًا "بِحَالٍ"* نَقَلَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَلَا وَجْهَ له أيضًا.
* في "أ": بالحال.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute