للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَآتَوُا الزَّكَاةَ} ١، وبقوله تعالى: {السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} ٢، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} ٣، ثُمَّ وَقَعَ الْبَيَانُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ بَعْدَ ذَلِكَ بالسنة، ونحو هذا كثيًرا جِدًّا.

الْمَذْهَبُ الثَّانِي:

الْمَنْعُ مُطْلَقًا، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ، وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ، وَسُلَيْمٌ الرَّازِيُّ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ، وَأَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ، وَنَقَلَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الدَّقَّاقِ.

قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَكَثِيرٍ من الحنيفية، وَابْنِ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ، وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ وَالْبَاجِيُّ عَنِ الْأَبْهَرِيِّ.

قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ مُتَّصِلًا بِالْبَيَانِ، أَوْ فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ؛ احْتِرَازًا مِنِ انْقِطَاعِهِ بِعُطَاسٍ وَنَحْوِهِ مِنْ عَطْفِ الْكَلَامِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ.

قَالَ وَوَافَقَهُمْ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.

وَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِمَا لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ، فَقَالُوا: لَوْ جَازَ ذَلِكَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إِلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ إِلَى الْأَبَدِ، وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ. أَمَّا إِلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَلِكَوْنِهِ تَحَكُّمًا، وَلِكَوْنِهِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَأَمَّا إِلَى الْأَبَدِ، فَلِكَوْنِهِ يَلْزَمُ الْمَحْذُورَ، وَهُوَ الْخِطَابُ وَالتَّكْلِيفُ بِهِ مَعَ عَدَمِ الْفَهْمِ.

وَأُجِيبَ عَنْهُمْ: باختيار جوازه إلى مد مُعَيَّنَةٍ عِنْدَ اللَّهِ، وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يُعْلَمُ أَنَّهُ يُكَلِّفُ بِهِ فِيهِ، فَلَا تَحَكُّمَ.

هَذَا أَنْهَضُ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى ضَعْفِهِ، وَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِمَا هُوَ دُونَهُ فِي الضَّعْفِ، فَلَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى تَطْوِيلِ الْبَحْثِ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ.

الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ:

أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ بَيَانِ الْمُجْمَلِ دُونَ غَيْرِهِ، حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ عَنِ الصَّيْرَفِيِّ، وَأَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ.

قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَا خِلَافَ بَيْنِ أَصْحَابِنَا فِي جواز تأخير بيان المجمل، كقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاة} ٤، وَكَذَا لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الْبَيَانَ فِي الْخِطَابِ الْعَامِّ يَقَعُ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْفِعْلُ يَتَأَخَّرُ عَنِ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ بَيَانَهُ بالقول أسرع منه بالفعل.


١ جزء من الآية ١١٠ من سورة البقرة.
٢ جزء من الآية ٣٨ من سورة المائدة.
٣ جزء من الآية ٩٧ من سورة آل عمران.
٤ جزء من آيتين في سورتين البقرة ١١٠ والنساء ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>