للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّابِعُ:

مَا نُسِخَ حُكْمُهُ وَرَسْمُهُ، وَنُسِخَ رَسْمُ النَّاسِخِ وَبَقِيَ حُكْمُهُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: "كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مُتَتَابِعَاتٍ يُحَرِّمْنَ فَنُسِخْنَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ"، فتوفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُتْلَى مِنَ الْقُرْآنِ١.

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَالْعَشْرُ مِمَّا نُسِخَ رَسْمُهُ وَحُكْمُهُ، وَالْخَمْسُ مِمَّا نُسِخَ رَسْمُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّحَابَةَ حِينَ جَمَعُوا الْقُرْآنَ لَمْ يُثْبِتُوهَا رَسْمًا، وَحُكْمُهَا بَاقٍ عِنْدَهُمْ.

قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَقَوْلُهَا: "وَهُنَّ مِمَّا يُتْلَى مِنَ الْقُرْآنِ" بِمَعْنَى أَنَّهُ يُتْلَى حُكْمُهُ دُونَ لَفْظِهِ.

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْمَعْنَى أَنَّهُ يَتْلُوهُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ نَسْخُ تِلَاوَتِهِ.

وَمَنَعَ قَوْمٌ مِنْ نَسْخِ اللَّفْظِ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِهِ، وَبِهِ جَزَمَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ دَلِيلِهِ، وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ ثَابِتٌ مَوْجُودٌ مَحْفُوظٌ، وَنَسْخُ كَوْنِهِ قُرْآنًا لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ وُجُودِهِ، وَلِهَذَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ فِي مُؤَلَّفَاتِهِمْ.

الْخَامِسُ:

مَا نُسِخَ رَسْمُهُ لَا حُكْمُهُ، وَلَا يُعْلَمُ النَّاسِخُ لَهُ، وَذَلِكَ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: "لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ ذَهَبٍ لَتَمَنَّى لَهُمَا ثالثها، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ" ٢.

فَإِنَّ هَذَا كَانَ قُرْآنًا ثُمَّ نُسِخَ رَسْمُهُ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي "التَّمْهِيدِ٣: قِيلَ: إِنَّهُ فِي سُورَةِ ص.

وَكَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا أَنَّهُ نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ حِكَايَةً عَنْ أَهْلِ بئر معونة أنهم قالوا: "بلغوا


١ أخرجه مسلم من حديث عائشة، كتاب الرضاع، باب التحريم بخمس رضعات ١٤٥٢. وأبو داود، كتاب النكاح، باب هل يحرم ما دون خمس رضعات ٢٠٦٢. والترمذي، كتاب الرضاع، باب ما جاء لا تحرم المصة ولا المصتان ٣/ ٤٥٦. والنسائي، كتاب النكاح، باب القدر الذي يحرم من الرضاعة ٦/ ١٠٠.
والدارمي في سننه ١٥٧٢. مالك في الموطأ، كتاب الرضاع، باب جامع ما جاء في الرضاعة ٢/ ٦٠٨.
ابن حبان في صحيحه ٤٢٢١. والبيهقي، كتاب الرضاع، باب من قال لا يحرم من الرضاع إلا خمس رضعات ٧/ ٤٥٤.
٢ أخرجه الترمذي من حديث ابن عباس، كتاب المناقب، باب مناقب معاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبي ٣٨٩٨. وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه احمد في مسنده ٥/ ١١٧. والطبراني من طريق الحسين بن واقد ٥٤٢. وبنحوه الطيالسي ٥٣٩. وصحح إسناده الحاكم ٢/ ٢٤٤. ووافقه الذهبي. وأخرجه أبو الشيخ من طريق ثابت ٧٩. وابن حبان في صحيحه ٣٢٣٧.
٣ واسمه "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسنانيد" قال ابن حزم هو كتاب في الفقه والحديث ولا أعلم له نظير. وهو عبارة عن شرح لموطأ الإمام مالك بن أنس. ا. هـ كشف الظنون ٢/ ١٩٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>