للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّابِعُ:

يُقَالُ: السَّعِيدُ مَنِ اعْتَبَرَ بِغَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ، فَهَذِهِ الْأَدِلَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ حَقِيقَةٌ فِي الِاتِّعَاظِ، لَا فِي الْمُجَاوَزَةِ، فَحَصَلَ التَّعَارُضُ بَيْنَ مَا قُلْتُمْ وَمَا قُلْنَا، فَعَلَيْكُمْ بِالتَّرْجِيحِ، ثُمَّ التَّرْجِيحُ مَعَنَا، فَإِنَّ الْفَهْمَ أَسْبَقُ إِلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

سَلَّمْنَا أَنَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ حَقِيقَةٌ، لَكِنَّ شَرْطَ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مَا يمنع، "وقد وجد ههنا مَانِعٌ"* فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} ١ فَقِيسُوا الذَّرَّةَ عَلَى الْبِرِّ كَانَ ذَلِكَ رَكِيكًا، لَا يَلِيقُ بِالشَّرْعِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، ثَبَتَ أَنَّهُ وَجَدَ مَا يَمْنَعُ مِنْ حَمْلِ اللَّفْظِ على حقيقته.

سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْمُجَاوَزَةِ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمُجَاوَزَةِ أَمْرٌ بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ.

بَيَانُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَمَسَّكَ بِدَلِيلٍ عَلَى مَدْلُولِهِ، فَقَدْ عَبَرَ مِنَ الدَّلِيلِ إِلَى الْمَدْلُولِ، فَسَمِيُّ الِاعْتِبَارِ مُشْتَرِكٌ فِيهِ بَيْنَ الِاسْتِدْلَالِ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ الْقَاطِعِ، وَبِالنَّصِّ، وَبِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَبِالْقِيَاسِ مِنَ الشَّرْعِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ يُخَالِفُهُ الْآخَرُ بِخُصُوصِيَّتِهِ، وَمَا بِهِ الِاشْتِرَاكُ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى مَا بِهِ الِامْتِيَازُ، لَا بِلَفْظِهِ، وَلَا بِمَعْنَاهُ، فَلَا يَكُونُ دَالًّا على النوع، الذي ليس إلا عبارة عن مَجْمُوعِ جِهَةِ الِاشْتِرَاكِ "وَجْهُهُ الِامْتِيَازُ، فَلَفْظُ الِاعْتِبَارِ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ، لَا بِلَفْظِهِ وَلَا بِمَعْنَاهُ"**.

قَالَ: وَأَيْضًا فَنَحْنُ نُوجِبُ اعْتِبَارَاتٍ أُخَرَ:

الْأَوَّلُ:

إِذَا نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى عِلَّةِ الحكم، فههنا الْقِيَاسُ عِنْدَنَا وَاجِبٌ.

وَالثَّانِي:

قِيَاسُ تَحْرِيمِ الضَّرْبِ على تحريم التأفيف٢.

والثالث:

الأقيسة في أمور الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْعَمَلَ بِهَا عِنْدَنَا وَاجِبٌ.

وَالرَّابِعُ:

أَنْ يُشَبِّهَ الْفَرْعَ بِالْأَصْلِ، فِي أَنْ لَا نَسْتَفِيدَ حُكْمَهُ إِلَّا مِنَ النَّصِّ.

وَالْخَامِسُ:

الِاتِّعَاظُ وَالِانْزِجَارُ، بِالْقَصَصِ وَالْأَمْثَالِ.

فَثَبَتَ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْآتِيَ بِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ مَا يُسَمَّى اعْتِبَارًا؛ يَكُونُ خَارِجًا عَنْ عُهْدَةِ هَذَا الْأَمْرِ، وَثَبَتَ أن بيانه في صورة كَثِيرَةٍ، فَلَا يَبْقَى فِيهِ دَلَالَةٌ أَلْبَتَّةَ عَلَى الأمر بالقياس الشرعي.


* ما بين القوسين ساقط من "أ".
** ما بين القوسين ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>