للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ "قَالَ"*: جَعْلُهُ حَقِيقَةً فِي الْمُجَاوَزَةِ أَوْلَى لوجهين:

الأول:

أنه يقال: فلان "اعتبر فاتعظ"** فيجعلون الاتعاظ معلول الاعتبار، وذلك بوجب التَّغَايُرَ.

الثَّانِي:

أَنَّ مَعْنَى الْمُجَاوَزَةِ حَاصِلٌ فِي الِاتِّعَاظِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَسْتَدِلَّ بِشَيْءٍ آخَرَ عَلَى حَالِ نَفْسِهِ؛ لَا يَكُونُ مُتَّعِظًا، ثُمَّ أَطَالَ فِي تَقْرِيرِ هَذَا بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ.

وَيُجَابُ عَنِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: بِالْمُعَارَضَةِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: فُلَانٌ قَاسَ هَذَا عَلَى هَذَا، فَاعْتَبَرَ، وَالْجَوَابُ الْجَوَابُ.

وَيُجَابُ عَنِ الثَّانِي: بِمَنْعِ وُجُودِ مَعْنَى الْمُجَاوَزَةِ فِي الِاتِّعَاظِ، فَإِنَّ مَنْ نَظَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، فَاتَّعَظَ بِهِ؛ لَا يُقَالُ فِيهِ: "إِنَّهُ"*** مُتَّصِفٌ بِالْمُجَاوَزَةِ، لَا لُغَةً، وَلَا شَرْعًا، وَلَا عَقْلًا.

وَأَيْضًا يُمْنَعُ وجود المجاوزة في القياس الشرعي، وليس في اللغة مَا يُفِيدُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ، وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ مَأْمُورًا بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِكَوْنِهِ فِيهِ معنى الاعتبار، لكان كل اعتبار، أو عبورا مأمورا به، واللازم باطل، فالملزوم مِثْلُهُ.

وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْمُتَشَرِّعِينَ، وَلَا مِنَ الْعُقَلَاءِ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَعْبُرَ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ، أَوْ يُجْرِي دَمْعَ عَيْنِهِ، أَوْ يَعْبُرَ رُؤْيَا الرَّائِي، مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ أَدْخَلُ فِي مَعْنَى الْعُبُورِ وَالِاعْتِبَارِ مِنَ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ، لَا بِمُطَابَقَةٍ، وَلَا تَضَمُّنٍ، وَلَا الْتِزَامٍ، وَمَنْ أَطَالَ الْكَلَامَ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ شَغَلَ الْحَيِّزَ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ.

وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ فِي "الرِّسَالَةِ" عَلَى إِثْبَاتِ الْقِيَاسِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَم} ١.

قَالَ: فَهَذَا تَمْثِيلُ الشَّيْءِ بِعِدْلِهِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} ٢.

وَأَوْجَبَ الْمِثْلَ، وَلَمْ يَقُلْ أَيَّ مِثْلٍ، فَوَكَلَ ذلك إلى اجتهادنا ورأينا.


* في "أ": قلنا.
** في "ب": اتعظ فاعتبر. وما أثبتناه يوافق ما في المحصول.
*** ما بين قوسين ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>