للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَابِعُهَا: حِفْظُ الدِّينِ بِشَرْعِيَّةِ الْقَتْلِ بِالرِّدَّةِ، وَالْقِتَالِ لِلْكُفَّارِ.

خَامِسُهَا: حِفْظُ الْعَقْلِ بِشَرْعِيَّةِ الْحَدِّ عَلَى شُرْبِ الْمُسْكِرِ، فَإِنَّ الْعَقْلَ هُوَ قِوَامُ كُلِّ فِعْلٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ مَصْلَحَةٌ، فَاخْتِلَالُهُ يُؤَدِّي إِلَى مَفَاسِدَ عَظِيمَةٍ.

وَاعْتُرِضَ عَلَى دَعْوَى اتِّفَاقِ الشَّرَائِعِ عَلَى الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنَّ الْخَمْرَ كَانَتْ مُبَاحَةً فِي الشَّرَائِعِ "السَّابِقَةِ"*، وَفِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُبَاحَ مِنْهَا فِي تِلْكَ الشَّرَائِعِ هُوَ مَا لَا يَبْلُغُ إِلَى حَدِّ السُّكْرِ الْمُزِيلِ لِلْعَقْلِ، فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ مِلَّةٍ، كَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ.

وَحَكَاهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ عَنِ الْقَفَّالِ، ثُمَّ نَازَعَهُ فَقَالَ: تَوَاتَرَ الْخَبَرُ أَنَّهَا كَانَتْ مُبَاحَةً عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْإِبَاحَةَ كَانَتْ إِلَى حَدٍّ لَا يُزِيلُ الْعَقْلَ.

وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ"١، وَلَفْظُهُ: وَأَمَّا مَا يَقُولُهُ مَنْ لَا تَحْصِيلَ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُسْكِرَ لَمْ يَزَلْ مُحَرَّمًا فَبَاطِلٌ، لَا أَصْلَ لَهُ. انْتَهَى.

قُلْتُ: وَقَدْ تَأَمَّلْتُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، فلم أجد فيهما إلا إِبَاحَةَ الْخَمْرِ مُطْلَقًا، مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِعَدَمِ السُّكْرِ، بَلْ فِيهِمَا التَّصْرِيحُ بِمَا يَتَعَقَّبُ الْخَمْرَ مِنَ السُّكْرِ، وَإِبَاحَةُ ذَلِكَ؛ "فَلَا"** يَتِمُّ دَعْوَى اتِّفَاقِ الْمَلَلِ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَهَكَذَا تَأَمَّلْتُ كُتُبَ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّقْيِيدِ أَصْلًا.

وَقَدْ زَادَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ سَادِسًا، وَهُوَ حِفْظُ الْأَعْرَاضِ، فَإِنَّ عَادَةَ الْعُقَلَاءِ بَذْلُ نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ دُونَ أَعْرَاضِهِمْ، وَمَا فُدِيَ بِالضَّرُورِيِّ فَهُوَ بِالضَّرُورَةِ أَوْلَى، وَقَدْ شُرِعَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ بِالْقَذْفِ الْحَدُّ، وَهُوَ أَحَقُّ بِالْحِفْظِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَتَجَاوَزُ عَمَّنْ جَنَى عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ، وَلَا يَكَادُ أَحَدٌ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَمَّنْ جَنَى عَلَى عِرْضِهِ، وَلِهَذَا يَقُولُ قَائِلُهُمْ:

يَهُونُ عَلَيْنَا أَنْ تُصَابَ جُسُومُنَا ... وَتَسْلَمَ أَعْرَاضٌ لَنَا وَعُقُولُ٢

قَالُوا: وَيَلْتَحِقُ بِالْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ مُكَمِّلُ الضَّرُورِيِّ، كَتَحْرِيمِ قَلِيلِ الْمُسْكِرِ، وَوُجُوبِ الْحَدِّ فِيهِ، وَتَحْرِيمِ الْبِدْعَةِ، وَالْمُبَالَغَةِ فِي عُقُوبَةِ الْمُبْتَدِعِ، الدَّاعِي إِلَيْهَا، وَالْمُبَالِغَةِ فِي حِفْظِ النَّسَبِ، بِتَحْرِيمِ النَّظَرِ، وَاللَّمْسِ وَالتَّعْزِيرِ عَلَى ذلك.


* في "أ": المتقدمة.
** في "أ": فلم

<<  <  ج: ص:  >  >>