للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقِسْمُ الثَّانِي: الْحَاجِيُّ

وَهُوَ مَا يَقَعُ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ، لَا مَحَلِّ الضَّرُورَةِ، كَالْإِجَارَةِ، فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسِيسِ الْحَاجَةِ إِلَى الْمَسَاكِنِ، مَعَ الْقُصُورِ عَنْ تَمَلُّكِهَا، وَامْتِنَاعِ مَالِكِهَا عَنْ بَذْلِهَا عَارِيَةً، وَكَذَلِكَ الْمُسَاقَاةُ وَالْقِرَاضُ.

ثُمَّ اعْلَمْ: أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ قَدْ تَكُونُ جَلِيَّةً، فَتَنْتَهِي إِلَى الْقَطْعِ، كَالضَّرُورِيَّاتِ، وَقَدْ تَكُونُ خَفِيَّةً كَالْمَعَانِي الْمُسْتَنْبَطَةِ لَا لدليل إلى مجرد احتمال اعتبار الشَّرْعِ لَهَا، وَقَدْ يَخْتَلِفُ التَّأْثِيرُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجَلَاءِ وَالْخَفَاءِ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: التَّحْسِينِيُّ

وَهُوَ قِسْمَانِ:

الأول:

ما هو غير مُعَارِضٌ لِلْقَوَاعِدِ، كَتَحْرِيمِ الْقَاذُورَاتِ، فَإِنَّ نَفْرَةَ الطِّبَاعِ عنها لقذارتها مَعْنًى يُنَاسِبُ حُرْمَةَ تَنَاوُلِهَا، حَثًّا عَلَى مَكَارِمِ الأخلاق، كما قال الله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِث} ١، "وَحَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ" وَكَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ" ٢.

وَمِنْهُ سَلْبُ الْعَبْدِ أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهَا مَنْصِبٌ شَرِيفٌ، وَالْعَبْدُ نَازِلُ الْقَدْرِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مُلَائِمٍ.

وَقَدِ اسْتَشْكَلَ هَذَا ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْحَقِّ بَعْدَ ظُهُورِ الشَّاهِدِ، وَإِيصَالِهِ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَدَفْعِ الْيَدِ الظَّالِمَةِ عَنْهُ مِنْ مَرَاتِبِ الضَّرُورَةِ، وَاعْتِبَارُ نُقْصَانِ الْعَبْدِ فِي الرُّتْبَةِ وَالْمَنْصِبِ مِنْ مَرَاتِبِ التَّحْسِينِ، وَتَرْكُ مَرْتَبَةِ الضَّرُورَةِ رِعَايَةً لِمَرْتَبَةِ التَّحْسِينِ بَعِيدٌ جِدًّا، نَعَمْ لَوْ وُجِدَ لَفْظٌ يُسْتَنَدُ إِلَيْهِ فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ، وَيُعَلَّلُ بِهَذَا التَّعْلِيلِ، لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ، فَأَمَّا مَعَ الِاسْتِقْلَالِ بِهَذَا التَّعْلِيلِ، فَفِيهِ هَذَا الْإِشْكَالُ.

وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ لِمَنْ رَدَّ شَهَادَةَ الْعَبْدِ مُسْتَنَدًا أَوْ وَجْهًا.

وَأَمَّا سَلْبُ وِلَايَتِهِ، فَهُوَ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ؛ "إِذْ ولاية"** الأطفال تستدعي استغراقا وفراغا،


* ما بين قوسين ساقط من "أ".
** في "أ": لأن.

<<  <  ج: ص:  >  >>